[ ص: 393 ] فصل .
قال الرافضي [1] : " العاشر : ما رواه الجمهور من قول النبي صلى الله عليه وسلم : " [2] تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا إني تارك فيكم ما إن [3] حتى يرد علي الحوض ، وقال : [4] فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، وهذا يدل على وجوب التمسك بقول أهل بيته أهل بيتي [5] ، سيدهم وعلي ، [6] ، فيكون واجب الطاعة على الكل ، فيكون هو الإمام " [7] .
والجواب من وجوه :
أحدها : أن لفظ الحديث الذي في صحيح عن مسلم : " زيد بن أرقم مكة والمدينة ، فقال : " أما بعد أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول [ ص: 394 ] ربي فأجيب ربي ، وإني تارك فيكم ثقلين : أولهما : كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به فحث على كتاب الله ، ورغب فيه ، ثم قال : " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا بماء يدعى خما بين " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي [8] .
.
وهذا اللفظ يدل على أن الذي أمرنا بالتمسك به وجعل المتمسك به [9] لا يضل هو كتاب الله .
وهكذا جاء في غير هذا الحديث ، كما في صحيح عن مسلم في حجة الوداع لما خطب يوم جابر عرفة ، وقال : " [10] اعتصمتم به : كتاب الله ، وأنتم تسألون عني ، فما أنتم قائلون ؟ " قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها [11] إلى الناس : " اللهم اشهد " ثلاث مرات قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن [12] .
وأما قوله : " [13] وأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " فهذا رواه وعترتي ( أهل بيتي ) الترمذي [14] ، وقد سئل عنه فضعفه [ ص: 395 ] وضعفه غير واحد من أهل العلم ، وقالوا : لا يصح ، وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة ، قالوا : ونحن نقول بذلك ، كما ذكر القاضي أحمد بن حنبل أبو يعلى وغيره .
ولكن أهل البيت لم يتفقوا - ولله الحمد - على شيء من خصائص مذهب الرافضة ، بل هم المبرءون المنزهون عن التدنس بشيء منه .
وأما قوله : " نوح " فهذا لا يعرف له إسناد لا مثل أهل بيتي مثل سفينة [15] صحيح ، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها ، فإن كان قد رواه مثل من يروي أمثاله من حطاب الليل الذين يروون الموضوعات فهذا ما يزيده وهنا .
الوجه الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن عترته : إنها والكتاب لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض ، وهو الصادق المصدوق فيدل على أن إجماع العترة حجة ، وهذا قول طائفة من أصحابنا ، وذكره القاضي في المعتمد لكن العترة هم بنو هاشم كلهم : ولد ، وولد العباس ، وولد علي الحارث بن عبد المطلب ، وسائر بني أبي طالب ، وغيرهم ، وحده ليس هو العترة ، وسيد العترة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلي
يبين ذلك أن علماء العترة وغيره لم يكونوا يوجبون اتباع علي في كل ما يقوله ، ولا كان كابن عباس يوجب على الناس طاعته في [ ص: 396 ] كل ما يفتي به ، ولا عرف أن أحدا من أئمة السلف - لا من علي بني هاشم ولا غيرهم - قال : إنه يجب اتباع في كل ما يقوله . علي
الوجه الثالث : أن العترة لم تجتمع على إمامته ولا أفضليته ، بل أئمة العترة وغيره يقدمون كابن عباس أبا بكر * في الإمامة والأفضلية ، وكذلك سائر وعمر بني هاشم من العباسيين ، والجعفريين ، وأكثر العلويين ، وهم مقرون [16] بإمامة أبي بكر * وعمر [17] ، وفيهم من أصحاب ، مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وغيرهم أضعاف من فيهم من وأحمد الإمامية .
والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت من بني هاشم من التابعين ، وتابعيهم من ولد الحسين بن علي ، وولد ، وغيرهما أنهم كانوا يتولون الحسن أبا بكر ، وكانوا يفضلونهما على وعمر ، والنقول عنهم ثابتة متواترة . علي
وقد صنف الحافظ كتاب " ثناء الصحابة على القرابة وثناء القرابة على الصحابة أبو الحسن الدارقطني [18] " ، وذكر فيه من ذلك قطعة ، وكذلك كل من صنف من أهل الحديث في السنة مثل كتاب " السنة " لعبد الله بن أحمد ، و " السنة " للخلال [19] ، و " السنة " لابن بطة ، و " السنة " للآجري ، ، واللالكائي ، والبيهقي وابن ذر الهروي ، ، والطلمنكي وابن حفص بن شاهين ، وأضعاف هؤلاء الكتب التي يحتج هذا بالعزو إليها مثل كتاب " فضائل الصحابة " ، للإمام أحمد ولأبي نعيم [20] ، وتفسير ، وفيها من [ ص: 397 ] ذكر فضائل الثلاثة ما هو من أعظم الحجج عليه ، فإن كان هذا القدر حجة فهو حجة له وعليه ، وإلا فلا يحتج به . الثعلبي
الوجه الرابع : أن هذا معارض بما هو أقوى منه ، وهو أن أبو بكر ، كما تقدم ذكره ويأتي . إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع ، والعترة بعض الأمة فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة ، وأفضل الأمة
وإن كانت الطائفة التي إجماعها حجة يجب اتباع قول أفضلها مطلقا ، وإن لم يكن هو الإمام ثبت أن هو الإمام ، وإن لم يجب أن يكون الأمر كذلك بطل ما ذكروه في إمامة أبا بكر ، فنسبة علي إلى جميع الأمة بعد نبيها كنسبة أبي بكر إلى العترة بعد نبيها على قول هذا . علي