الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية

                  ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

                  صفحة جزء
                  فلهذا تجد فيما انفردوا به عن الجماعة أقوالا في غاية الفساد  ، مثل تأخيرهم صلاة المغرب حتى يطلع الكوكب  مضاهاة لليهود ، وقد تواترت النصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعجيل المغرب [1] . ومثل صومهم قبل الناس بيومين ، وفطرهم قبل الناس بيومين  مضاهاة لمبتدعة [2] أهل الكتاب الذين عدلوا عن الصوم بالهلال إلى الاجتماع ، وجعلوا الصوم بالحساب .

                  وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إنا أمة أمية لا تحسب ولا تكتب ، إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ; فإن غم عليكم فاقدروا له " . وفي رواية : " فأكملوا العدة " [3] .

                  [ ص: 174 ] ومثل تحريمهم بعض أنواع السمك  ، مضاهاة لليهود في تحريم [4] الطيبات ومثل معاونة الكفار على قتال المسلمين ، وترغيب الكفار في قتال المسلمين   . وهذا لا يعرف لأحد من فرق الأمة .

                  ومثل تنجيس المائعات التي يباشرها أهل السنة  ، وهذا من جنس دين السامرة وهم رافضة اليهود ، هم في اليهود كالرافضة في المسلمين ، والرافضة تشابههم من وجوه كثيرة ; فإن السامرة لا تؤمن بنبي بعد موسى وهارون غير يوشع ، وكذلك الرافضة لا تقر لأحد من الخلفاء والصحابة بفضل ولا إمامة إلا لعلي . والسامرة تنجس وتحرم ما باشره غيرهم من المائعات ، وكذلك الرافضة . والسامرة لا يأكلون إلا ذبائح أنفسهم ، وكذلك الرافضة فإنهم يحرمون ذبائح أهل الكتاب ، ويحرم أكثرهم ذبائح الجمهور لأنهم مرتدون عندهم ، وذبيحة [5] المرتد لا تباح . والسامرة فيهم كبر ورعونة وحمق ودعاو كاذبة ، مع القلة والذلة ، وكذلك الرافضة .

                  [ ص: 175 ] والرافضة تجعل الصلوات الخمس ثلاث صلوات ، فيصلون دائما الظهر والعصر جميعا ، والمغرب والعشاء جميعا  ، وهذا لم يذهب إليه غيرهم من فرق الأمة ، وهو يشبه دين اليهود ; فإن الصلوات عندهم ثلاث [6] .

                  وغلاة العباد يوجبون على أصحابهم صلاة الضحى والوتر وقيام الليل ، فتصير الصلاة عندهم سبعا ، وهو دين النصارى . والرافضة لا تصلي جمعة ولا جماعة لا خلف أصحابهم ولا غير أصحابهم ولا يصلون إلا خلف المعصوم ، ولا معصوم عندهم   . وهذا لا يوجد في سائر الفرق أكثر مما يوجد في الرافضة . فسائر أهل البدع [7] سواهم ، لا يصلون الجمعة والجماعة إلا خلف أصحابهم ، كما هو دين الخوارج والمعتزلة وغيرهم . وأما أنهم لا يصلون ذلك بحال ، فهذا ليس إلا للرافضة .

                  ومن ذلك أنهم لا يؤمنون في الصلاة  هم [8] أو بعضهم وهذا ليس لأحد من فرق الأمة ، بل هو دين اليهود ; فإن اليهود حسدوا المؤمنين على التأمين . وقد حكى طائفة عن بعضهم أنه يحرم لحم الإبل ، وكان ذلك [9] لركوب عائشة على الجمل . وهذا من أظهر الكفر ; وهو [10] من جنس دين اليهود .

                  [ ص: 176 ] وكثير من عوامهم يقول [11] : إن الطلاق لا يكون إلا برضا المرأة ، وعلماؤهم ينكرون هذا . وهذا لم يقله أحد غيرهم [12] .

                  وهم يقولون بإمام منتظر موجود غائب لا يعرف له عين ولا أثر ، ولا يعلم  [13] بحس ولا خبر ، لا يتم الإيمان إلا به .

                  ويقولون : أصول الدين أربعة : التوحيد ، والعدل ، والنبوة ، والإمامة   . وهذا منتهى الإمام عندهم : الإيمان بأنه معصوم غائب عن الأبصار كائن [14] في الأمصار ، سيخرج [15] الدينار من قعر البحار ، يطبع الحصى ، ويورق العصا . دخل سرداب سامرا سنة ستين ، ومائتين وله من العمر [16] إما سنتان ، وإما ثلاث وإما خمس ، أو نحو ذلك ; فإنهم مختلفون في قدر عمره ، ثم إلى الآن لم يعرف له خبر . ودين الخلق مسلم إليه ; فالحلال ما حلله ، والحرام ما حرمه ، والدين ما شرعه ، ولم ينتفع به أحد من عباد الله .

                  وكذلك كراهتهم لأسماء نظير أسماء من يبغضونه [17] ، ومحبتهم لأسماء نظير أسماء من يحبونه ، من غير نظر إلى المسمى ، وكراهتهم لأن يتكلم أو يعمل بشيء [18] عدده عشرة لكراهتهم نفرا عشرة ، واشتفاؤهم [19] ممن [ ص: 177 ] يبغضونه كعمر وعائشة وغيرهما ، بأن [20] يقدروا جمادا كالحيس [21] ، أو حيوانا كالشاة الحمراء ، أنه هو الذي يعادونه ، ويعذبون تلك الشاة تشفيا من العدو ، من الجهل البليغ الذي لم يعرف عن غيرهم .

                  وكذلك إقامة المآتم والنوائح ، ولطم الخدود ، وشق الجيوب ، وفرش الرماد ، وتعليق المسوح ، وأكل المالح حتى يعطش  ، ولا يشرب ماء ، تشبها بمن ظلم وقتل ، وإقامة مأتم [22] بعد خمسمائة أو ستمائة سنة من قتله ، لا يعرف لغيرهم من طوائف الأمة .

                  ومفاريد الرافضة التي تدل على غاية الجهل والضلال كثيرة لم نقصد ذكرها هنا . لكن المقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي - صلى الله عليه وسلم - لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق ، والرافضة أبلغ في ذلك من غيرهم .

                  وأما الخوارج والمعتزلة والجهمية فإنهم أيضا لم ينفردوا [23] عن أهل السنة والجماعة ( * بحق ، بل كل ما معهم من الحق ففي أهل السنة [24] من يقول به ، لكن لم يبلغ [25] هؤلاء من قلة العقل وكثرة الجهل ما بلغت الرافضة .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية