537 - حدثنا محمد بن محمد بن الحسن ثنا ثنا بشر بن موسى الحميدي ثنا سفيان ثنا قال سمعت عمرو بن دينار جابرا يقول :
، نرصد عيرا أبو عبيدة بن الجراح لقريش ، فأصابنا جوع شديد حتى أكلنا الخبط ، فسمي ذلك الجيش جيش الخبط ، قال ، فألقى لنا البحر ونحن بالساحل [ ص: 591 ] دابة تسمى العنبر ، وأكلنا شهرا وائتدمنا به وادهنا بودكه حتى ثابت أجسامنا ، قال : فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه فنصبه ، فنظر أطول رجل وأعظم جمل في الجيش ، فأمر أن يركب الجمل وأن يمر تحته ، ففعل ، فمر تحته ، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرناه فقال : هل معكم منه شيء ؟ قلنا : نعم ، فآتيناه منه فأكل . بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب ، وأميرنا يومئذ
فإن قيل : قد أعطي موسى العصا فكان ثعبانا يتلقف ما صنعت السحرة ، واستغاث فرعون بموسى رهبة وفرقا منها .
قلنا : قد كان لمحمد صلى الله عليه وسلم أخت هذه الآية بعينها ، وهي قصة أبي جهل بن هشام ، لما عاهد الله لأجلسن له بحجر قدر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه ، وذكره ، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه ، حتى إذا دنا منه أقبل مبهوتا منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده ، وقامت إليه رجالات قريش وقالوا : ما لك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، لا والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، فهم أن يأكلني ، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ذاك جبرئيل عليه السلام ، لو دنا مني لأخذه ، وقد تقدم نظائره . [ ص: 592 ]
صالح عليه السلام : فإن قيل : قد أخرج الله عز وجل القول فيما أوتي لصالح ناقة ، جعلها له على قومه حجة وآية ، لها شرب يوم ولقومه شرب يوم معلوم .
قلنا : قد أعطى الله عز وجل محمدا صلى الله عليه وسلم على قومه حجة مثل ذلك ، كانت ناقة صالح لم تتكلم ، ولا ناطقته ، ولم تشهد له بالنبوة ، ومحمد صلى الله عليه وسلم شهد له البعير الناد شاكيا إليه ما هم به صاحبه من نحره . وقد تقدم هذا الباب بطرقه .
داود عليه السلام : القول فيما أوتي
فإن قيل : فسخر الله عز وجل لداود الجبال والطيور يسبحن معه ، وألان له الحديد .
قلنا : قد أعطي محمد صلى الله عليه وسلم مثله من جنسه وزيادة ، فقد سبح الحصا في يده ، وفي يد من صدقه ، رفعة لشأنه وشأن مصدقيه .
538 - حدثنا قال ثنا أبو عمرو بن حمدان قال ثنا الحسن بن سفيان الفضل بن داود قال ثنا قريش بن أنس قال ثنا عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري سويد بن يزيد قال :
دخلت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا جالس ، فاغتنمت خلوته [ ص: 593 ] فجلست إليه ، فقال أبو ذر : أبو ذر رضي الله عنه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما جاء بك يا أبو بكر ؟ قال : إلى الله وإلى رسوله ، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء أبا بكر ، فقال : ما جاء بك يا عمر ؟ قال : إلى الله وإلى رسوله ، فجلس عن شمال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ، ثم جاء عمر ، فقال : ما جاء بك يا عثمان ؟ فقال : إلى الله وإلى رسوله ، قال ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات فسبحن في يده ، حتى سمعت حنينهن كحنين النحل ، ثم وضعهن فخرسن ، قال ثم أخذهن ، فدفعهن في يد عثمان ، قال : فسبحن في يده ، حتى سمعت حنينهن كحنين النحل ، قال ، ثم وضعهن فخرسن ، ثم أخذهن فدفعهن في يد أبي بكر ، فسبحن في يده ، حتى سمعت حنينهن كحنين النحل ، قال ، ثم وضعهن فخرسن . عمر كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلواته ، فدخلت ذات يوم المسجد فإذا هو فيه ، فجئت فجلست ، فبينا أنا جالس ، إذ جاء
ورواه شهر بن حوشب عن وسعيد بن المسيب وفيه عن أبي سعيد ورواه أبي هريرة عن داود بن أبي هند الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن عن جبير بن نفير مثله ، وزادوا : أبي ذر
(إنهن سبحن في يد رضي الله عنه) عثمان وقد تقدم ذكره .
فإن قيل : سخرت له الطير .
قلنا : فقد سخرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع الطير البهائم العظيمة ، الإبل فما دونها ، وما هو أعسر وأصعب من الطير : السباع العادية الضارية ، بتهيبها تنقاد إلى طاعته ، كالبعير الشارد الذي انقاد له ، والذئب الذي نطق بنبوته وبالتصديق بدعوته ورسالته ، وقد تقدم ذكره ، وكذلك الأسد لما مر [ ص: 594 ] به صلى الله عليه وسلم وهمهم به ودله على الطريق . سفينة مولى رسول الله
539 - حدثنا ثنا عبد الله بن جعفر قال ثنا يونس بن حبيب قال ثنا أبو داود المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن قال : عبد الله بن مسعود
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فدخل رجل غيضة فأخرج منها بيض حمرة ، فجاءت الحمرة ترف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيكم فجع هذه ؟ فقال رجل من القوم : أنا أخذت بيضها ، فقال : رده رحمة لها ، وقد تقدم حديث الطائر الذي أخذ خف النبي صلى الله عليه وسلم وألقاه فخرج منه أسود سابغ .
فإن قيل : فقد لداود الحديد ، حتى سرد منه الدروع السوابغ . لين الله تعالى
قلنا : قد لينت لمحمد صلى الله عليه وسلم الحجارة وصم الصخور فعادت له غارا استتر بها من المشركين ، يوم أحد مال صلى الله عليه وسلم برأسه إلى الجبل ليخفي شخصه عنهم ، فلين الله له الجبل حتى أدخل فيه رأسه ، وهذا أعجب ، لأن [ ص: 595 ] الحديد تلينه النار ، ولم نر النار تلين الحجر ، وذلك بعد ظاهر باق يراه الناس ، وكذلك في بعض شعاب مكة حجر من جبل أصم استروح في صلاته إليه ، فلان له الحجر حتى أثر فيه بذراعيه وساعديه ، وذلك مشهور يقصده الحجاج ويزورونه ، وعادت الصخرة ببيت المقدس ليلة أسري به كهيئة العجين ، فربط به دابته البراق ، يلمسه الناس إلى يومنا هذا باق .
سليمان عليه السلام : القول فيما أوتي
فإن قيل : فإن سليمان قد أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .
قلنا : إن محمدا صلى الله عليه وسلم أعطي مفاتيح خزائن الأرض فأباها وردها اختيارا للتقلل ، والرضا بالقوت ، واستصغارا لها بحذافيرها ، وإيثارا لمرتبته ورفعته عند الله تعالى .