بعسكره سعد بن أبي وقاص دجلة على متن الماء يوم جراثيم في صفر سنة ست عشرة : عبور
522 - أخبرنا محمد بن العباس بن حيويه وكيل دعلج من كتابه فيما أرى ثنا أحمد بن جعفر بن أحمد القارئ قال ثنا أبو عبيدة السري بن يحيى السري ثنا شعيب بن إبراهيم ثنا سيف بن عمر التيمي عن محمد وطلحة والمهاب وعمرو وسعيد والنضر عن ابن الرفيل :
لما نزل سعد نهرشير وهي المدينة الدنيا ، طلب السفن ليعبر بالناس إلى المدينة القصوى ، فلم يقدر على شيء ، ووجدهم قد ضموا السفن فأقاموا بنهرشير أياما من صفر ، يريدونه على العبور ، فيمنعه الإبقاء على المسلمين ، حتى أتاه أعلاج فدلوه على مخاضة تخاض إلى [ ص: 575 ] صلب الوادي ، فأبى وتردد عن ذلك ، وفجأهم المد ، فرأى رؤيا : أن خيول المسلمين اقتحمتها فعبرت ، وقد أقبلت من المد بأمر عظيم ، فعزم لتأويل رؤياه على العبور ، فجمع سعد الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، فقال : إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر ، فلا تخلصون إليهم وهم يخلصون إليكم إذا شاؤوا ، فيناوشونكم في سفنهم وليس وراءكم شيء تخافون أن تؤتوا منه ، وإني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم ، فقالوا جميعا : عزم الله لنا ولك على الرشد ، فافعل ، فندب سعد الناس إلى العبور فقال : من يبدأ ويحمي لنا الفراض حتى يتلاحق به الناس لكيلا يمنعوهم من الخروج ؟ فانتدب له ، وانتدب بعده ستمائة رجل من أهل النجدات ، واستعمل عليهم عاصم بن عمر عاصما ، فسار عاصم فيهم حتى وقف على شاطئ دجلة ثم قال : من ينتدب معي نمنع الفراض من عدوكم ؟ فانتدب له ستون منهم فجعلهم نصفين على خيول إناث وذكور ليكون أسلس لعوم الخيل ، ثم اقتحموا فلما رأى سعد عاصما على الفراض قد منعها أذن للناس في الاقتحام وقال : قولوا نستعين بالله ونتوكل عليه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وتلاحق عظم الجند فركبوا اللجة ، وإن دجلة لترمي بالزبد ، وإنها لمسودة ، وإن الناس ليتحدثون في عومهم ، وقد اقترنوا ، كما يتحدثون في مسيرهم على الأرض ، ففجأوا أهل فارس بأمر لم يكن في حسابهم ، فأجهضوهم وأعجلوهم على حمل أموالهم ، ودخلها المسلمون في صفر سنة ست عشرة ، واستولوا على كل ما بقي في بيوت كسرى من الثلاثة آلاف ألف ألف وما جمع شيرويه ومن بعده . [ ص: 576 ]
وحدثنا شعيب عن سيف عن رجل عن في قيام أبي عثمان النهدي سعد في الناس في دعائهم إلى العبور قال :
طبقنا دجلة خيلا ورجلا ودواب حتى ما يرى الماء من الشاطئ أحد ، فخرجت بنا خيلنا إليهم تنفض أعرافها ، لها صهيل ، فلما رأى القوم ذلك انطلقوا لا يلوون على شيء .
قال شعيب وثنا سيف عن بدر بن عثمان عن أبي بكر بن حفص بن عمر قال :
كان الذي يساير سعدا في الماء ، فعامت بهم الخيل سلمان الفارسي وسعد يقول : حسبنا الله ونعم الوكيل ، والله لينصرن الله وليظهرن دينه ، وليهزمن الله عدوه ، إن لم يكن في الجيش بغي أو ذنوب تغلب على الحسنات .
فقال له سلمان : إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذلل لهم البر ، أما والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا كما دخلوا فيه ، فطبقوا الماء حتى ما يرى الماء من الشاطئ ، وهم فيه أكثر حديثا منهم في البر لو كانوا فيه ، فخرجوا منه ، كما قال سلمان ، لم يفقدوا شيئا ، ولم يغرق منهم أحد .
وقال سيف عن أبي عمرو وثاب عن : أبي عثمان النهدي
إنهم سلموا من عند آخرهم إلا رجل من بارق يدعى عرقدة زال عن ظهر فرس له شقراء ، كأني أنظر إليها تنفض أعرافها عرقا ، والغريق طاف ، فثنى القعقاع بن عمرو عنان فرسه إليه ، فأخذ بيده ، فجره حتى عبر ، قال ، [ ص: 577 ]
وما ذهب لهم في الماء شيء إلا قدح كانت علاقته رثة فانقطعت ، فذهب به الماء ، فقال الرجل الذي يعاوم صاحب القدح معيرا له : أصابه القدر فطاح ، فقال : والله إني على جديلة ما كان الله ليسلبني قدحي من بين أهل العسكر ، فلما عبروا إذا رجل ممن كان يحمي الفراض إذا بالقدح قد ضربته الرياح والأمواج حتى وقع إلى الشاطئ ، فتناوله برمحه فجاء به إلى العسكر ، فعرفه ، فأخذه صاحبه .
قال سيف عن عن القاسم بن الوليد عمير الصائدي قال :
لما اقتحم سعد بالناس في دجلة اقترنوا ، فكان سلمان قرين سعد إلى جانبه يسايره في الماء ، وقال سعد : ذلك تقدير العزيز العليم ، والماء يطمو بهم ، وما يزال فرس يستوي قائما إذا أعيى ، تنشز له تلعة فيستريح عليها كأنه على الأرض ، فلم يكن بالمدائن أمر أعجب من ذلك ، ولذلك يدعى يوم الجراثيم ، لا يعيي أحد إلا نشزت له جرثومة يستريح عليها .
قال سيف عن عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قيس بن أبي حازم
خضنا دجلة وهي تطفح ، فلما كنا في أكثرها ماء ، لم يزل الفارس واقفا ما يبلغ الماء حزامه .
قال : وثنا سيف عن عن الأعمش حبيب بن صهبان أبي مالك قال :
[ ص: 578 ] لما عبر المسلمون يوم المدائن دجلة ، فنظروا إليهم يعبرون ، جعلوا يقولون بالفارسية : " ديوانه أمد " وقال بعضهم لبعض : إنكم والله ما تقاتلون الإنس وما تقاتلون إلا الجن ، فانهزموا .