وذهب آخرون إلى أن المراد بهذه الآية هو المقيم في أهله الشهر كله ، وأن من دخل عليه الشهر وهو في أهله ، ثم سافر بعد ذلك أنه في حكم من شهد الشهر في المدة التي كان فيها في أهله ، وفي حكم المسافر في المدة التي صار فيها مسافرا .
واحتجوا فيما ذهبوا إليه من ذلك بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفره في شهر رمضان ، ومن إفطاره في سفره ذلك ، وممن قال هذا القول : أبو حنيفة ، وسفيان ، ومالك ، وزفر ، ومحمد ، وأبو يوسف ، ، فمما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك ما : [ ص: 396 ] والشافعي
819 - حدثنا قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال : أخبرني ابن وهب ، يونس ، ومالك ، والليث ، عن ابن شهاب ، عن أن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، قال : ابن عباس ، مكة عام الفتح في شهر رمضان ، " فصام حتى بلغ الكديد ، ثم أفطر وأفطر الناس " . خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
820 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا قال : أخبرني ابن وهب ، عن مالك ، ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله ، وزاد : " وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم . عبد الله بن عباس
821 - وما حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قال : حدثنا روح ، عن شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله ، غير أنه قال : حتى أتى ابن عباس ، عسفان ، ولم يذكر قوله : " وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
822 - وما حدثنا قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، فذكر مثل حديث شعبة ، علي بن شيبة هذا .
823 - وما حدثنا الربيع بن سليمان الحربي ، قال : حدثنا أبو زرعة وهب الله بن راشد الحجري ، قال : حدثنا قال : أخبرنا حيوة بن شريح ، أبو الأسود بن عكرمة ، مولى حدثه ، ابن عباس ، " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج عام الفتح في رمضان ، فصام حتى بلغ ابن عباس : الكديد ، فبلغه أن الناس شق عليهم الصيام ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدح من لبن فأمسكه في يده حتى رآه الناس وهو على راحلته ، ثم شرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأفطر ، فناوله رجلا إلى جانبه فشرب ، وصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأفطر " . عن
824 - حدثنا قال : حدثنا الربيع المرادي ، قال : حدثنا ابن وهب ، أن أسامة بن زيد ، محمد بن عمرو بن عطاء ، حدثاه ، وعطاء بن أبي رباح جابر ، قال : خرج رسول الله صلى الله [ ص: 397 ] عليه وسلم عام الفتح في رمضان ، " فصام وصام الناس ، حتى إذا كان بالكديد أخرج قدحا فيه ماء ، فشرب والناس ينظرون " . عن
825 - حدثنا فهد ، قال : حدثنا قال : حدثنا موسى بن إسماعيل المنقري ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، عن أبيه ، جعفر بن محمد ، جابر : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة عام الفتح ، حتى إذا بلغ كراع الغميم ، وصام الناس وهم مشاة وركبان .
فقيل : إن الناس قد شق عليهم الصوم ، وإنما ينظرون إلا إلى ما فعلت .
فدعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ، فأفطر بعض الناس ، وصام بعض .
فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن بعضهم صام ، فقال : أولئك العصاة " . عن
826 - حدثنا علي بن شيبة ، قال : حدثنا قال روح بن عبادة ، حماد ، عن أبي الزبير ، جابر ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سافر في رمضان ، فاشتد الصوم على رجل من أصحابه ، فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجر ، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمره " فدعا بإناء ، فلما رآه الناس أفطروا " . عن
827 - حدثنا قال : أخبرنا بحر بن نصر ، قال : أخبرني ابن وهب ، عن معاوية بن صالح ، ربيعة بن يزيد ، قزعة ، قال : سألت عن صيام رمضان في السفر ، فقال : خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان عام الفتح ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم ونصوم ، حتى بلغ منزلا من المنازل ، فقال : " إنكم قد دنوتم من عدوكم ، والفطر أقوى لكم " ، فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر . أبا سعيد الخدري
ثم سرنا فنزلنا منزلا ، فقال : " إنكم تصبحون عدوكم ، والفطر أقوى لكم فأفطروا " ، فكانت عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم لقد رأيتني أصوم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل ذلك وبعد ذلك . عن
828 - حدثنا قال : حدثنا أبو بكرة ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن عطية بن قيس ، قزعة بن يحيى ، قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لليلتين مضتا من رمضان ، فخرجنا صواما حتى بلغ أبي سعيد الخدري ، الكديد ، " . [ ص: 398 ] فأمرنا بالإفطار ، فأصبحنا ومنا الصائم ومنا المفطر .
فلما بلغنا مر الظهران أعلمنا بلقاء العدو ، وأمرنا بالإفطار . عن
فكانت هذه الآثار قد تواترت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسفره بنفسه وأصحابه بعد دخول شهر رمضان عليه وعليهم وهم مقيمون في أهليهم ، وبإفطاره وأمره إياهم بالإفطار .
فدل ذلك أن هذا القول الثاني من القولين اللذين حكيناهما في تأويل هذه الآية ، أولى من القول الأول منهما ، وأن قوله - عز وجل - : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) لا يمنع من سافر في رمضان من الإفطار في بقيته التي تمر عليه وهو مسافر ، وهذا هو القياس أيضا .
ألا ترى أنه لو دخل عليه رمضان وهو مسافر ، ثم صار إلى أهله أنه يرجع في حكم صومه إلى حكم المقيم ، لا إلى حكم المسافر ، ويجب عليه الصوم في المستأنف ما كان مقيما كما يجب على من كان مقيما منذ دخل رمضان .
كذلك يكون القياس على ذلك أن يكون كذلك من دخل عليه رمضان وهو مقيم .
ثم سافر ، أن يكون حكمه في المستأنف ما كان مسافرا في الصوم ، حكم المسافر في الصوم ، لا حكم المقيم ، ودل ما ذكرنا على أن قوله - عز وجل - : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) إنما هو فليصمه ما كان مقيما .
ثم قال - عز وجل - : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) ، فكان المرض المراد عندنا في ذلك والله أعلم هو المرض الذي يخاف من الصوم الزيادة فيه ، كصاحب الحمى الذي يخاف إن صام تشتد حماه ، أو كصاحب وجع العين الذي يخاف إن صام يشتد وجع عينه ، أو كمن سواهما من ذوي الأمراض الذين يخافون إن صاموا أن تشتد أمراضهم وتزداد بالصيام ، فلهم أن يفطروا .
وكذلك كان يقوله في هذا فيما حدثنا محمد بن العباس ، عن علي ، عن أبو حنيفة محمد ، عن يعقوب ، عن ولم يحك خلافا ، غير أنه لم يذكر في روايته هذه من الأمراض غير وجع العين والحمى ، وما سواهما من الأمراض ، ففي القياس عندنا مثلها . أبي حنيفة ،
وكان السفر المراد في ذلك يختلف فيه على ما ذكرنا من في كتاب الصلاة من كتب أحكام القرآن هذه ، فأغنانا ذلك عن إعادته هاهنا ، غير أنا نأتي بجملة منه وهي أن السفر المراد به في هذه الآية باتفاقهم ، لما كان سفرا [ ص: 399 ] خاصا من الأسفار ، ولم يدخل فيما أجمعوا على أنه خاص من الأسفار ، إلا ما أجمعوا على أن الله - عز وجل - عناه منها . الاختلاف في السفر الذي تقصر فيه الصلاة
وقد أجمعوا على أن السفر الذي مقداره ثلاثة أيام ولياليها قد دخل فيما عني من ذلك .
واختلفوا فيما دونه من الأسفار ، فكان الأولى بنا ألا يدخل في هذه الآية من الأسفار إلا السفر المتفق على دخوله فيها ، دون ما سواه من الأسفار ، وهكذا كان أبو حنيفة وأبو يوسف ، ومحمد ، يقولونه في السفر الذي يحل لصاحبه فيه الإفطار في شهر رمضان .