قولهم في
nindex.php?page=treesubj&link=21135الإضافة : إذا قال : أعتقت عبيدي وإمائي ثم مات جاز لمن سمعه أن يزوج من شاء من العبيد دون رضى الورثة .
قلنا : ولو قال : أنفقت دراهمي ، وصرمت نخيلي ، وضربت عبيدي ، فإنه لا يعد كاذبا بتقدير عدم إنفاق بعض دراهمه وعدم صرم بعض نخيله وعدم ضرب بعض عبيده ، ولو كان ذلك للعموم لكان كاذبا ، وليس صرف ذلك إلى القرينة
[1] أولى من صرف ما ذكروه إلى القرينة ، وهو الجواب عن قوله : العبيد الذين في يدي لفلان .
وما ذكروه في الدلالة على تعميم اسم الجنس إذا دخله الألف واللام .
أما الوجه الأول منه قولهم : إنه لا بد للألف واللام من فائدة ، قلنا : يمكن أن تكون فائدتها تعريف المعهود ، وإن لم يكن ثم معهود ، فالتردد بين العموم والخصوص على السوية بخلاف ما قبل دخولها
[2] .
[ ص: 217 ] وأما الوجه الثاني فقد قيل : إنه من
nindex.php?page=treesubj&link=21135النقل الشاذ الذي لا اعتماد عليه ، وهو مع ذلك مجاز .
ولهذا فإنه لم يطرد في كل اسم فرد ، فإنه لا يقال : جاءني الرجل العلماء والرجل المسلمون ، ثم وإن أمكن نعته بالجمع ، فإنما كان كذلك لأن المراد من قولهم إنما هو جنس الدينار وجنس الدرهم لا جملة الدنانير وجملة الدراهم .
وحيث كان الهلاك بجنس الدينار والدرهم لأمر متحقق في كل واحد من ذلك الجنس جاز نعته بالجمع ، نظرا إلى اقتضاء المعنى للجمع ، لا نظرا إلى اقتضاء لفظ الدينار والدرهم .
وأما الاستثناء في الآية فهو مجاز .
ولهذا لم يطرد ، فإنه لا يحسن أن يقال : رأيت الرجل إلا العلماء وعلى هذا النحو .
ثم لو كان ذلك صالحا للاستغراق لأمكن مع اتحاده أن يؤكد ( بكل ) و ( جميع ) كما في ( من ) في قولك : من دخل داري أكرمته وهو غير جائز ، فإنه لا يحسن أن يقال : جاءني الرجل كلهم أجمعون
[3] ، ويمكن أن يقال : إن مثل هذا قياس في اللغة ، وهو غير جائز .
وأما الوجه الثالث فدفعه بمنع الحصر فيما قيل ، بل القائل ثلاثة ، والثالث هو القائل بالتفصيل .
وأما الوجه الرابع فحاصله يرجع إلى القياس في اللغة ، وقد أبطلناه .
وأما ما ذكروه في تعميم الجمع المنكر أما الوجه الأول منه فعنه جوابان : الأول : أن قول القائل : رجال حقيقة في كل عدد على خصوصه ممنوع ، وإن أراد به أنه حقيقة في الجمع المشترك بين جميع الأعداد فمسلم .
، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون دالا على ما هو الأخص لا حقيقة ولا مجازا .
وعلى هذا فقد بطل القول بأنا إذا حملناه على الاستغراق كان حملا له على جميع حقائقه ، ضرورة اتحاد مدلوله .
الثاني : وإن سلمنا أنه حقيقة في كل عدد بخصوصه ، غير أنه ليس حمله على الاستغراق مع احتمال عدم الإرادة أولى من حمله على الأقل مع كونه مستيقنا .
وأما الوجه الثاني : فإنما يلزم المتكلم به بيان إرادة البعض عينا أن لو كان اللفظ موضوعا له .
[ ص: 218 ] وأما إذا كان موضوعا لبعض مطلق فلا .
وأما الاستثناء فقد عرف جوابه كيف وإن أهل اللغة اتفقوا على تسميته نكرة ؟ ولو كان للاستغراق لكان معروفا كله ، فلا يكون منكرا مختلطا بغيره .
قولهم : إن العرب فرقت بين تأكيد الواحد والعموم بما ذكروه ، إنما يصح أن لو كان ( كلهم أجمعون ) تأكيدا للعموم وليس كذلك ، بل هو تأكيد للفظ الذي يجوز أن يراد به العموم وغير العموم
[4] .
قولهم :
nindex.php?page=treesubj&link=21135لو لم يكن للعموم صيغة تدل عليه لكان التكليف بالأمور العامة تكليفا بما لا يطاق .
قلنا : إنما يكون كذلك إن لو لم يكن ثم ما يدل على التعميم وليس كذلك ، ولا يلزم من عدم صيغة تدل عليه بوضعها دون التكليف بالمحال مع وجود صيغة تدل عليه مع القرينة .
وأما شبه أرباب الخصوص قولهم في الأولى : إن الخصوص متيقن ، قلنا : ذلك لا يدل على كونه مجازا في الزيادة ، فإن الثلاثة مستيقنة في العشرة ولا يدل على كونه لفظ العشرة حقيقة في الثلاثة مجازا في الزيادة .
، فإن قيل : إلا أن الزيادة في العشرة على الثلاثة أيضا مستيقنة ، قيل : ليس كذلك وإلا لما صح استثناؤها بقوله : علي عشرة إلا ثلاثة ، كيف وإن ما ذكروه من الترجيح معارض بما يدل على كونه حقيقة في العموم ، وذلك لأنه من المحتمل أن يكون مراد المتكلم العموم ، فلو حمل لفظه على الخصوص لم يحصل مراده ، وبتقدير أن يكون مراده الخصوص لا يمتنع حصول مقصوده منه بتقدير الحمل على العموم ، بل المقصود حاصل وزيادة ، وليس أحد الأمرين أولى من الآخر .
قولهم في الشبهة الثانية : إن أكثر استعمال هذه الصيغ في الخصوص لا نسلم حقيقة ذلك ، وإن سلم إلا أن ذلك لا يدل على كون هذه الصيغ حقيقة في الخصوص ومجازا في العموم ، ويدل عليه أن استعمال لفظ الغائط والعذرة غالب في الخارج المستقذر
[ ص: 219 ] من الإنسان ، وإن كان مجازا فيه وحقيقة في الموضع المطمئن من الأرض وفناء الدار .
وكذلك لفظ الشجاع حقيقة في الحية المخصوصة ، وإن كان غالب الاستخدام في الرجل المقدام .
قولهم في الثالثة : إنه لا يحسن
nindex.php?page=treesubj&link=21135الاستفهام عن إرادة البعض بخلاف العموم .
قلنا : حسن
nindex.php?page=treesubj&link=21135الاستفهام عن إرادة العموم لا يخرج الصيغة عن كونها حقيقة في العموم ، ودليل ذلك أنه لو قال القائل : دخل السلطان البلد ولقيت بحرا وناطحت جبلا ورأيت حمارا ، فإنه يحسن استفهامه : هل أردت بالسلطان نفسه أو عسكره ؟ وهل أردت بالجبل الجبل الحقيقي أو الرجل العظيم ؟ وهل أردت بالحمار الحمار الحقيقي أو البليد ؟ وأردت بالبحر البحر الحقيقي أو رجلا كريما ؟ وعدم حسن الاستفهام عن البعض لتيقنه لا يوجب كون الصيغة حقيقة فيه
[5] بدليل الثلاثة من العشرة .
قولهم في الرابعة : لو كان قوله : رأيت الرجال للعموم لكان كاذبا بتقدير إرادة الخصوص ، قلنا : إنما يكون كاذبا مع كون لفظه حقيقة في العموم إن لو لم يكن لفظه صالحا لإرادة البعض تجوزا ، ولهذا فإنه لو قال : رأيت أسدا وحمارا أو بحرا ، وكان قد رأى إنسانا شجاعا ، وإنسانا بليدا ، وإنسانا كريما لم يكن كاذبا ، وإن كان لفظه حقيقة في غيره ، وهذا بخلاف ما إذا قال رأيت عشرة رجال ولم يكن خمسة ، فإن لفظ العشرة مما لا يصلح للخمسة لا حقيقة ولا تجوزا .
قولهم في الخامسة : إنه لو كانت هذه الصيغ للعموم لكان تأكيدها عبثا ليس كذلك ، فإنه يكون أبعد عن مجازفة المتكلم ، وأبعد عن قبول التخصيص وأغلب على الظن .
كيف وإنه يلزم على ما ذكروه صحة تأكيد الخاص
[6] بقولهم : جاء زيد عينه نفسه ، وتأكيد عقود الأعداد كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تلك عشرة كاملة ) ، وما هو الجواب هاهنا عن التأكيد يكون جوابا في العموم .
[ ص: 220 ] قولهم : وكان الاستثناء منها نقضا يلزم عليه الاستثناء من الأعداد المقيدة كقوله : له علي عشرة إلا خمسة ، فإنه صحيح بالاتفاق مع أن لفظ العشرة صريح فيها ، وجوابه في الأعداد جوابه في العموم .
قولهم في السادسة : إن (
nindex.php?page=treesubj&link=21135من ) لو كانت للعموم لما جمعت ، قلنا : قد قيل إن ذلك ليس بجمع ، وإنما هو إلحاق زيادة الواو وإشباع الحركة وبتقدير أن يكون جمعا فقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : إنه لا عمل عليه ، لما فيه من جمع ( من ) حالة الوصل ، وإنما تجمع عندما إذا حكى بها الجمع المنكر حالة الوقف .
وإذ ذاك فلا تكون للعموم .
وأما شبه أرباب الاشتراك قولهم في الأولى : إن هذه الصيغ قد تطلق تارة للعموم وتارة للخصوص ، والأصل في الإطلاق الحقيقة .
قلنا : الأصل في الإطلاق الحقيقة بصفة الاشتراك أو لا بصفة الاشتراك ؟ الأول ممنوع والثاني مسلم ، وذلك لأنه إذا كان مشتركا افتقر في فهم كل واحد من مدلولاته إلى قرينة تعينه ضرورة تساوي نسبة اللفظ فيه إلى الكل ، والقرينة قد تظهر ، وقد تخفى .
وذلك يفضي إلى الإخلال بمقصود الوضع ، وهو التفاهم ، وهذا بخلاف ما إذا كان اللفظ حقيقة في مدلول واحد ، فإنه يحمل عليه عند إطلاقه من غير افتقار إلى قرينة مخلة بالفهم .
قولهم في الثانية : إنه يحسن الاستفهام .
قلنا : ذلك لا يدل على كون اللفظ مشتركا ، فإنه يحسن مع كون اللفظ متحد المدلول كما لو قال القائل : خاصمت السلطان ، فيقال : أخصمته ؟ مع كون اللفظ حقيقة في شيء ومجازا في غيره كما سبق تمثيله من قول القائل : صدمت جبلا ورأيت بحرا ولقيت حمارا ، فإنه يحسن استفهامه ، إنك أردت بذلك المدلولات الحقيقية أو المجازية من الرجل العظيم والكريم والبليد .
وذلك لفائدة زيادة الأمن من المجازفة في الكلام ، وزيادة غلبة الظن وتأكده بما اللفظ ظاهر فيه ، وللمبالغة في دفع المعارض كما سبق في التأكيد .
وأما طريق الرد على من فرق من الواقفية بين الأوامر والأخبار ، فهو أن كل ما يذكرونه في الدلالة على وجوب التوقف في الأخبار فهو بعينه مصطرد في الأوامر .
[ ص: 221 ] قولهم : أولا إن الأمر تكليف .
قلنا : ومن الأخبار العامة ما كلفنا بمعرفتها كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16الله خالق كل شيء ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29وهو بكل شيء عليم ) ، وكذلك عمومات الوعد والوعيد فإنا مكلفون بمعرفتها ، لأن بذلك يتحقق الانزجار عن المعاصي والانقياد إلى الطاعات ، ومع التساوي في التكليف فلا معنى للوقوف .
وإن سلمنا ذلك ليفضي إلى التكليف بما لا يطاق فهو غير ممتنع عندنا على ما سبق تقريره
[7] .
قولهم : ثانيا إن من الأخبار ما يرد بالمجهول من غير بيان بخلاف الأمر .
قلنا : لا نسلم امتناع ورود الأمر بالمجهول
[8] كيف وإن هذا الفرق ، وإن دل على عدم الحاجة فيما كان من الأخبار لم نكلف بمعرفتها إلى وضع اللفظ العام بإزائه فغير مطرد فيما كلفنا بمعرفته كما سبق ، وهم غير قائلين بالتفصيل بين خبر وخبر .
قَوْلُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21135الْإِضَافَةِ : إِذَا قَالَ : أَعْتَقْتُ عَبِيدِي وَإِمَائِي ثُمَّ مَاتَ جَازَ لِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يُزَوِّجَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْعَبِيدِ دُونَ رِضَى الْوَرَثَةِ .
قُلْنَا : وَلَوْ قَالَ : أَنْفَقْتُ دَرَاهِمِي ، وَصَرَمْتُ نَخِيلِي ، وَضَرَبْتُ عَبِيدِي ، فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ عَدَمِ إِنْفَاقِ بَعْضِ دَرَاهِمِهِ وَعَدَمِ صَرْمِ بَعْضِ نَخِيلِهِ وَعَدَمِ ضَرْبِ بَعْضِ عَبِيدِهِ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لِلْعُمُومِ لَكَانَ كَاذِبًا ، وَلَيْسَ صَرْفُ ذَلِكَ إِلَى الْقَرِينَةِ
[1] أَوْلَى مِنْ صَرْفِ مَا ذَكَرُوهُ إِلَى الْقَرِينَةِ ، وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ : الْعَبِيدُ الَّذِينَ فِي يَدِي لِفُلَانٍ .
وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى تَعْمِيمِ اسْمِ الْجِنْسِ إِذَا دَخَلَهُ الْأَلِفُ وَاللَّامُ .
أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ : إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْأَلِفِ وَاللَّامِ مِنْ فَائِدَةٍ ، قُلْنَا : يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فَائِدَتُهَا تَعْرِيفُ الْمَعْهُودِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَعْهُودٌ ، فَالتَّرَدُّدُ بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ عَلَى السَّوِيَّةِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ دُخُولِهَا
[2] .
[ ص: 217 ] وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=21135النَّقْلِ الشَّاذِّ الَّذِي لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مَجَازٌ .
وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَمْ يَطَّرِدْ فِي كُلِّ اسْمٍ فَرْدٍ ، فَإِنَّهُ لَا يُقَالُ : جَاءَنِي الرَّجُلُ الْعُلَمَاءُ وَالرَّجُلُ الْمُسْلِمُونَ ، ثُمَّ وَإِنْ أَمْكَنَ نَعْتُهُ بِالْجَمْعِ ، فَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّمَا هُوَ جِنْسُ الدِّينَارِ وَجِنْسُ الدِّرْهَمِ لَا جُمْلَةُ الدَّنَانِيرِ وَجُمْلَةُ الدَّرَاهِمِ .
وَحَيْثُ كَانَ الْهَلَاكُ بِجِنْسِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ لِأَمْرٍ مُتَحَقِّقٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ جَازَ نَعْتُهُ بِالْجَمْعِ ، نَظَرًا إِلَى اقْتِضَاءِ الْمَعْنَى لِلْجَمْعِ ، لَا نَظَرًا إِلَى اقْتِضَاءِ لَفْظِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ .
وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ فَهُوَ مَجَازٌ .
وَلِهَذَا لَمْ يَطَّرِدْ ، فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ : رَأَيْتُ الرَّجُلَ إِلَّا الْعُلَمَاءَ وَعَلَى هَذَا النَّحْوِ .
ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَالِحًا لِلِاسْتِغْرَاقِ لَأَمْكَنَ مَعَ اتِّحَادِهِ أَنْ يُؤَكَّدَ ( بِكُلٍّ ) وَ ( جَمِيعٍ ) كَمَا فِي ( مَنْ ) فِي قَوْلِكَ : مَنْ دَخَلَ دَارِي أَكْرَمْتُهُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ : جَاءَنِي الرَّجُلُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
[3] ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ مِثْلَ هَذَا قِيَاسٌ فِي اللُّغَةِ ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّالِثُ فَدَفْعُهُ بِمَنْعِ الْحَصْرِ فِيمَا قِيلَ ، بَلِ الْقَائِلُ ثَلَاثَةً ، وَالثَّالِثُ هُوَ الْقَائِلُ بِالتَّفْصِيلِ .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إِلَى الْقِيَاسِ فِي اللُّغَةِ ، وَقَدْ أَبْطَلْنَاهُ .
وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فِي تَعْمِيمِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْهُ فَعَنْهُ جَوَابَانِ : الْأَوَّلُ : أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : رِجَالٌ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ عَدَدٍ عَلَى خُصُوصِهِ مَمْنُوعٌ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْجَمْعِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأَعْدَادِ فَمُسَلَّمٌ .
، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ دَالًّا عَلَى مَا هُوَ الْأَخَصُّ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا .
وَعَلَى هَذَا فَقَدَ بَطَلَ الْقَوْلُ بِأَنَّا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ كَانَ حَمْلًا لَهُ عَلَى جَمِيعِ حَقَائِقِهِ ، ضَرُورَةَ اتِّحَادِ مَدْلُولِهِ .
الثَّانِي : وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ عَدَدٍ بِخُصُوصِهِ ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ الْإِرَادَةِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْأَقَلِّ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَيْقَنًا .
وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي : فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْمُتَكَلِّمَ بِهِ بَيَانُ إِرَادَةِ الْبَعْضِ عَيْنًا أَنْ لَوْ كَانَ اللَّفْظُ مَوْضُوعًا لَهُ .
[ ص: 218 ] وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَوْضُوعًا لِبَعْضٍ مُطْلَقٍ فَلَا .
وَأَمَّا الِاسْتِثْنَاءُ فَقَدْ عُرِفَ جَوَابُهُ كَيْفَ وَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اتَّفَقُوا عَلَى تَسْمِيَتِهِ نَكِرَةً ؟ وَلَوْ كَانَ لِلِاسْتِغْرَاقِ لَكَانَ مَعْرُوفًا كُلَّهُ ، فَلَا يَكُونُ مُنَكَّرًا مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ .
قَوْلُهُمْ : إِنَّ الْعَرَبَ فَرَّقَتْ بَيْنَ تَأْكِيدِ الْوَاحِدِ وَالْعُمُومِ بِمَا ذَكَرُوهُ ، إِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ لَوْ كَانَ ( كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) تَأْكِيدًا لِلْعُمُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ هُوَ تَأْكِيدٌ لِلَّفْظِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعُمُومُ وَغَيْرُ الْعُمُومِ
[4] .
قَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=treesubj&link=21135لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْعُمُومِ صِيغَةٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ لَكَانَ التَّكْلِيفُ بِالْأُمُورِ الْعَامَّةِ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ .
قُلْنَا : إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ بِوَضْعِهَا دُونَ التَّكْلِيفِ بِالْمَحَالِّ مَعَ وُجُودِ صِيغَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ مَعَ الْقَرِينَةِ .
وَأَمَّا شُبَهُ أَرْبَابِ الْخُصُوصِ قَوْلُهُمْ فِي الْأُولَى : إِنَّ الْخُصُوصَ مُتَيَقَّنٌ ، قُلْنَا : ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَجَازًا فِي الزِّيَادَةِ ، فَإِنَّ الثَّلَاثَةَ مُسْتَيْقَنَةٌ فِي الْعَشَرَةِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ لَفْظَ الْعَشَرَةِ حَقِيقَةً فِي الثَّلَاثَةِ مَجَازًا فِي الزِّيَادَةِ .
، فَإِنْ قِيلَ : إِلَّا أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْعَشَرَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَيْضًا مُسْتَيْقَنَةٌ ، قِيلَ : لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهَا بِقَوْلِهِ : عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا ثَلَاثَةً ، كَيْفَ وَإِنَّ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ التَّرْجِيحِ مَعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ الْعُمُومَ ، فَلَوْ حُمِلَ لَفْظُهُ عَلَى الْخُصُوصِ لَمْ يَحْصُلْ مُرَادُهُ ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْخُصُوصَ لَا يَمْتَنِعُ حُصُولُ مَقْصُودِهِ مِنْهُ بِتَقْدِيرِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ ، بَلِ الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ وَزِيَادَةٌ ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ .
قَوْلُهُمْ فِي الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ : إِنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالِ هَذِهِ الصِّيَغِ فِي الْخُصُوصِ لَا نُسَلِّمُ حَقِيقَةَ ذَلِكَ ، وَإِن سُلِّمَ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ الصِّيَغِ حَقِيقَةً فِي الْخُصُوصِ وَمَجَازًا فِي الْعُمُومِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْغَائِطِ وَالْعَذِرَةِ غَالِبٌ فِي الْخَارِجِ الْمُسْتَقْذَرِ
[ ص: 219 ] مِنَ الْإِنْسَانِ ، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا فِيهِ وَحَقِيقَةً فِي الْمَوْضِعِ الْمُطَمْئِنِ مِنَ الْأَرْضِ وَفِنَاءِ الدَّارِ .
وَكَذَلِكَ لَفْظُ الشُّجَاعِ حَقِيقَةً فِي الْحَيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ ، وَإِنْ كَانَ غَالِبُ الِاسْتِخْدَامِ فِي الرَّجُلِ الْمِقْدَامِ .
قَوْلُهُمْ فِي الثَّالِثَةِ : إِنَّهُ لَا يَحْسُنُ
nindex.php?page=treesubj&link=21135الِاسْتِفْهَامُ عَنْ إِرَادَةِ الْبَعْضِ بِخِلَافِ الْعُمُومِ .
قُلْنَا : حُسْنُ
nindex.php?page=treesubj&link=21135الِاسْتِفْهَامِ عَنْ إِرَادَةِ الْعُمُومِ لَا يُخْرِجُ الصِّيغَةَ عَنْ كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ : دَخَلَ السُّلْطَانُ الْبَلَدَ وَلَقِيتُ بَحْرًا وَنَاطَحْتُ جَبَلًا وَرَأَيْتُ حِمَارًا ، فَإِنَّهُ يَحْسُنُ اسْتِفْهَامُهُ : هَلْ أَرَدْتَ بِالسُّلْطَانِ نَفْسَهُ أَوْ عَسْكَرَهُ ؟ وَهَلْ أَرَدْتَ بِالْجَبَلِ الْجَبَلَ الْحَقِيقِيَّ أَوِ الرَّجُلَ الْعَظِيمَ ؟ وَهَلْ أَرْدَتْ بِالْحِمَارِ الْحِمَارَ الْحَقِيقِيَّ أَوِ الْبَلِيدَ ؟ وَأَرَدْتَ بِالْبَحْرِ الْبَحْرَ الْحَقِيقِيَّ أَوْ رَجُلًا كَرِيمًا ؟ وَعَدَمُ حُسْنِ الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الْبَعْضِ لِتَيَقُّنِهِ لَا يُوجِبُ كَوْنَ الصِّيغَةِ حَقِيقَةً فِيهِ
[5] بِدَلِيلِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْعَشَرَةِ .
قَوْلُهُمْ فِي الرَّابِعَةِ : لَوْ كَانَ قَوْلُهُ : رَأَيْتُ الرِّجَالَ لِلْعُمُومِ لَكَانَ كَاذِبًا بِتَقْدِيرِ إِرَادَةِ الْخُصُوصِ ، قُلْنَا : إِنَّمَا يَكُونُ كَاذِبًا مَعَ كَوْنِ لَفْظِهِ حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ إِنْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَفْظُهُ صَالِحًا لِإِرَادَةِ الْبَعْضِ تَجَوُّزًا ، وَلِهَذَا فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ : رَأَيْتُ أَسَدًا وَحِمَارًا أَوْ بَحْرًا ، وَكَانَ قَدْ رَأَى إِنْسَانًا شُجَاعًا ، وَإِنْسَانًا بَلِيدًا ، وَإِنْسَانًا كَرِيمًا لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ حَقِيقَةً فِي غَيْرِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قَالَ رَأَيْتُ عَشَرَةَ رِجَالٍ وَلَمْ يَكُنْ خَمْسَةً ، فَإِنَّ لَفْظَ الْعَشَرَةِ مِمَّا لَا يَصْلُحُ لِلْخَمْسَةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا تَجَوُّزًا .
قَوْلُهُمْ فِي الْخَامِسَةِ : إِنَّهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصِّيَغُ لِلْعُمُومِ لَكَانَ تَأْكِيدُهَا عَبَثًا لَيْسَ كَذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَكُونُ أَبْعَدَ عَنْ مُجَازَفَةِ الْمُتَكَلِّمِ ، وَأَبْعَدَ عَنْ قَبُولِ التَّخْصِيصِ وَأَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ .
كَيْفَ وَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ صِحَّةُ تَأْكِيدِ الْخَاصِّ
[6] بِقَوْلِهِمْ : جَاءَ زَيْدٌ عَيْنُهُ نَفْسُهُ ، وَتَأْكِيدِ عُقُودِ الْأَعْدَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=196تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ، وَمَا هُوَ الْجَوَابُ هَاهُنَا عَنِ التَّأْكِيدِ يَكُونُ جَوَابًا فِي الْعُمُومِ .
[ ص: 220 ] قَوْلُهُمْ : وَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهَا نَقْضًا يَلْزَمُ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْأَعْدَادِ الْمُقَيَّدَةِ كَقَوْلِهِ : لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إِلَّا خَمْسَةً ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْعَشَرَةِ صَرِيحٌ فِيهَا ، وَجَوَابُهُ فِي الْأَعْدَادِ جَوَابُهُ فِي الْعُمُومِ .
قَوْلُهُمْ فِي السَّادِسَةِ : إِنَّ (
nindex.php?page=treesubj&link=21135مِنْ ) لَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَمَا جُمِعَتْ ، قُلْنَا : قَدْ قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَمْعٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ إِلْحَاقُ زِيَادَةِ الْوَاوِ وَإِشْبَاعُ الْحَرَكَةِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا فَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : إِنَّهُ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ جَمْعِ ( مَنْ ) حَالَةَ الْوَصْلِ ، وَإِنَّمَا تُجْمَعُ عِنْدَمَا إِذَا حُكَى بِهَا الْجَمْعُ الْمُنَكَّرُ حَالَةَ الْوَقْفِ .
وَإِذ ذَاكَ فَلَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ .
وَأَمَّا شُبَهُ أَرْبَابِ الِاشْتِرَاكِ قَوْلُهُمْ فِي الْأُولَى : إِنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ قَدْ تُطْلَقُ تَارَةً لِلْعُمُومِ وَتَارَةً لِلْخُصُوصِ ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ .
قُلْنَا : الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ بِصِفَةِ الِاشْتِرَاكِ أَوْ لَا بِصِفَةِ الِاشْتِرَاكِ ؟ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مُشْتَرَكًا افْتَقَرَ فِي فَهْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَدْلُولَاتِهِ إِلَى قَرِينَةٍ تُعَيِّنُهُ ضَرُورَةَ تَسَاوِي نِسْبَةِ اللَّفْظِ فِيهِ إِلَى الْكُلِّ ، وَالْقَرِينَةُ قَدْ تَظْهَرُ ، وَقَدْ تَخْفَى .
وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى الْإِخْلَالِ بِمَقْصُودِ الْوَضْعِ ، وَهُوَ التَّفَاهُمُ ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ اللَّفْظُ حَقِيقَةً فِي مَدْلُولٍ وَاحِدٍ ، فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ إِطْلَاقِهِ مِنْ غَيْرِ افْتِقَارٍ إِلَى قَرِينَةٍ مُخِلَّةٍ بِالْفَهْمِ .
قَوْلُهُمْ فِي الثَّانِيَةِ : إِنَّهُ يَحْسُنُ الِاسْتِفْهَامُ .
قُلْنَا : ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرَكًا ، فَإِنَّهُ يَحْسُنُ مَعَ كَوْنِ اللَّفْظِ مُتَّحِدَ الْمَدْلُولِ كَمَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُ : خَاصَمْتُ السُّلْطَانَ ، فَيُقَالُ : أَخَصَمْتُهُ ؟ مَعَ كَوْنِ اللَّفْظِ حَقِيقَةً فِي شَيْءٍ وَمَجَازًا فِي غَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ تَمْثِيلُهُ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : صَدَمْتُ جَبَلًا وَرَأَيْتُ بَحْرًا وَلَقِيتُ حِمَارًا ، فَإِنَّهُ يَحْسُنُ اسْتِفْهَامُهُ ، إِنَّكَ أَرَدْتَ بِذَلِكَ الْمَدْلُولَاتِ الْحَقِيقِيَّةَ أَوِ الْمَجَازِيَّةَ مِنَ الرَّجُلِ الْعَظِيمِ وَالْكَرِيمِ وَالْبَلِيدِ .
وَذَلِكَ لِفَائِدَةِ زِيَادَةِ الْأَمْنِ مِنَ الْمُجَازَفَةِ فِي الْكَلَامِ ، وَزِيَادَةِ غَلَبَةِ الظَّنِّ وَتَأَكُّدِهِ بِمَا اللَّفْظُ ظَاهِرٌ فِيهِ ، وَلِلْمُبَالَغَةِ فِي دَفْعِ الْمُعَارِضِ كَمَا سَبَقَ فِي التَّأْكِيدِ .
وَأَمَّا طَرِيقُ الرَّدِّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ مِنَ الْوَاقِفِيَّةِ بَيْنَ الْأَوَامِرِ وَالْأَخْبَارِ ، فَهُوَ أَنَّ كُلَّ مَا يَذْكُرُونَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُوبِ التَّوَقُّفِ فِي الْأَخْبَارِ فَهُوَ بِعَيْنِهِ مُصْطَرِدٌ فِي الْأَوَامِرِ .
[ ص: 221 ] قَوْلُهُمْ : أَوَّلًا إِنَّ الْأَمْرَ تَكْلِيفٌ .
قُلْنَا : وَمِنَ الْأَخْبَارِ الْعَامَّةِ مَا كُلِّفْنَا بِمَعْرِفَتِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=16اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=29وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) ، وَكَذَلِكَ عُمُومَاتُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ فَإِنَّا مُكَلَّفُونَ بِمَعْرِفَتِهَا ، لِأَنَّ بِذَلِكَ يَتَحَقَّقُ الِانْزِجَارُ عَنِ الْمَعَاصِي وَالِانْقِيَادُ إِلَى الطَّاعَاتِ ، وَمَعَ التَّسَاوِي فِي التَّكْلِيفِ فَلَا مَعْنًى لِلْوُقُوفِ .
وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لِيُفْضِيَ إِلَى التَّكْلِيفِ بِمَا لَا يُطَاقُ فَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ
[7] .
قَوْلُهُمْ : ثَانِيًا إِنَّ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا يَرِدُ بِالْمَجْهُولِ مِنْ غَيْرِ بَيَانٍ بِخِلَافِ الْأَمْرِ .
قُلْنَا : لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِالْمَجْهُولِ
[8] كَيْفَ وَإِنَّ هَذَا الْفَرْقَ ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الْحَاجَةِ فِيمَا كَانَ مِنَ الْأَخْبَارِ لَمْ نُكَلَّفْ بِمَعْرِفَتِهَا إِلَى وَضْعِ اللَّفْظِ الْعَامِّ بِإِزَائِهِ فَغَيْرُ مُطَّرِدٍ فِيمَا كُلِّفْنَا بِمَعْرِفَتِهِ كَمَا سَبَقَ ، وَهُمْ غَيْرُ قَائِلِينَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ خَبَرٍ وَخَبَرٍ .