[ ص: 208 ] وأما شبه أرباب الاشتراك
[1] : فأولها : أن هذه
nindex.php?page=treesubj&link=21135_21166الألفاظ والصيغ قد تطلق للعموم تارة وللخصوص تارة ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، وحقيقة الخصوص غير حقيقة العموم ، فكان اللفظ المتحد الدال عليهما حقيقة مشتركا كلفظ العين والقرء ونحوه .
وثانيها : أنه يحسن عند إطلاق هذه الصيغ الاستفهام من مطلقها أنك أردت البعض أو الكل ، وحسن الاستفهام عن كل واحد منهما دليل الاشتراك
[2] ، فإنه لو كان حقيقة في أحد الأمرين دون الآخر لما حسن الاستفهام عن جهة الحقيقة .
وأما شبه من قال بالتعميم في الأوامر والنواهي دون الأخبار فهو أن الإجماع منعقد على التكاليف بأوامر عامة لجميع المكلفين وبنواه عامة لهم ، فلو لم يكن الأمر والنهي للعموم لما كان التكليف عاما ، أو كان تكليفا بما لا يطاق وهو محال .
وهذا بخلاف الأخبار فإنه ليس بتكليف ، ولأن الخبر يجوز وروده بالمجهول ، ولا بيان له أصلا كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=74وكم أهلكنا قبلهم من قرن ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وقرونا بين ذلك كثير ) بخلاف الأمر فإنه وإن ورد بالمجمل كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وآتوا حقه يوم حصاده ) ، وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) فإنه لا يخلو عن بيان متقدم أو متأخر أو مقارن .
والجواب من جهة الإجمال عن جملة هذه الشبه ما أسلفناه في مسألة أن الأمر للوجوب أو الندب ، فعليك بنقله إلى هاهنا .
وأما من جهة التفصيل : أما ما ذكره أرباب العموم من الآيات ، أما قصة
نوح فلا حجة فيها وذلك لأن إضافة الأهل قد تطلق تارة للعموم وتارة للخصوص كما في قولهم : جمع السلطان أهل البلد ، وإن كان لم يجمع النساء والصبيان والمرضى
[3] .
وعند ذلك فليس ( القول )
[ ص: 209 ] بحمل ذلك على الخصوص بقرينة أولى من القول بحمله على العموم بقرينة .
ونحن لا ننكر صحة
nindex.php?page=treesubj&link=21160الحمل على العموم بالقرينة ، وإنما الخلاف في كونه حقيقة أم لا .
وأما قصة
ابن الزبعرى فلا حجة فيها أيضا ، لأن سؤاله وقع فاسدا حيث ظن أن ( ما ) عامة فيمن يعقل وليس كذلك .
ولهذا قال له النبي - صلى الله عليه وسلم - منكرا عليه : "
ما أجهلك بلغة قومك أما علمت أن ( ما ) لما لا يعقل [4] وهي وإن أطلقت على من يعقل كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5والسماء وما بناها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=6والأرض وما طحاها nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7ونفس وما سواها ) فليس حقيقة ، بل مجازا .
ويجب القول بذلك جمعا بينه وبين قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
أما علمت أن ( ما ) لما لا يعقل " ولما فيه من موافقة المنقول عن أهل اللغة في ذلك .
وأما قصة
إبراهيم فجوابها بما سبق في قصة
نوح [5] .
وأما الاحتجاج بقصة
عمر مع
أبي بكر فلا حجة فيها أيضا ، لأنه إنما فهم العصمة من العلة الموجبة لها في الأموال والدماء ، وهي قول لا إله إلا الله فإنها مناسبة لذلك ، والحكم مرتب عليها في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكان ذلك إيماء إليها بالتعليل .
أما أن يكون ذلك مأخوذا من عموم دمائهم وأموالهم فلا .
ومعارضة
أبي بكر إنما كانت لما فهمه
عمر من التعليل المقتضي للتعميم لا لغيره
[6] .
[ ص: 210 ] وأما قصة
فاطمة مع
أبي بكر فالكلام في اعتقاد العموم في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يوصيكم الله في أولادكم ) ما سبق في قصة
نوح [7] ، وهو الجواب أيضا عن احتجاج
عثمان على جواز الجمع بين الأختين ، ثم قد أمكن أن يضاف ذلك إلى ما فهم من
nindex.php?page=treesubj&link=21160العلة الموجبة لرفع الحرج وهي الزوجية لا إلى عموم اللفظ .
وكذلك احتجاج علي بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وأن تجمعوا بين الأختين ) لم يكن لعموم اللفظ ، بل بما أومى إليه اللفظ من العلة المانعة من الجمع وهي الأخوة فإنها مناسبة لذلك ، دفعا للإضرار الواقع بين الأختين من المزاحمة على الزوج الواحد ، وإنما يصح الاحتجاج باللفظ بمجرده أن لو كان للعموم
[8] وهو محل النزاع .
وإن صح الاحتجاج في هذه الصور بنفس اللفظ فلا يمتنع أن يكون ذلك بما اقترن به من العلة الرافعة للحرج في احتجاج
عثمان ، والعلة المانعة من الجمع في احتجاج
علي - رضي الله عنه - .
وأما تكذيب
عثمان للشاعر في قوله : (
وكل نعيم لا محالة زائل
) فإنما كان لما فهمه من حال الشاعر الدالة على قصد تعظيم الرب ببقائه ، وبطلان كل ما سواه .
أما أن يكون ذلك مستفادا من مجرد قوله ( كل ) فلا
[9] .
[ ص: 211 ] وأما استدلال
أبي بكر بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355181الأئمة من قريش " إنما فهم منه التعميم لما ظهر له من قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - لتعظيم
قريش وميزتهم على غيرهم من القبائل ، فلو لم يكن ذلك يدل على الخصوص فيهم والاستغراق لما حصلت هذه الفائدة .
وأما إجماع الصحابة على إجراء ما ذكروه من الآيات والأخبار على التعميم في كل سارق وزان وغير ذلك ، فإنما كان ذلك بناء على ما اقترن بها من العلل المومى إليها الموجبة للتعميم ، وهي السرقة والزنى وقتل الظالم إلى غير ذلك ، أما أن يكون اعتقاد تعميم تلك الأحكام مستندا إلى عموم تلك الألفاظ فلا .
وأما ما ذكر من الأولى المعنوية فالجواب عنها أنا وإن سلمنا أن العموم ظاهر ، وأن الحاجة داعية إلى وضع لفظ يدل عليه ، ولكن لا نسلم إحالة الإخلال به على الواضعين .
ولهذا قد أخلوا بالألفاظ الدالة على كثير من المعاني الظاهرة التي تدعو الحاجة إلى تعريفها بوضع اللفظ عليها ، وذلك كالفعل الحالي ورائحة المسك والعود وغير ذلك من أنواع الروائح والطعوم الخاصة بمحالها .
فإن قيل : لا نسلم أنهم أخلوا بشيء من ذلك فإنهم يقولون : رائحة المسك ورائحة العود وطعم العسل وطعم السكر إلى غير ذلك .
والإضافة من جملة الأوضاع المعرفة ، ولهذا فإن الباري تعالى قد عرف نفسه بالإضافة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15ذو العرش ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3ذي الطول ) إلى غير ذلك .
قلنا : وعلى هذا لا نسلم أن العرب أخلت بما يعرف العموم ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=21135الأسماء المجازية والمشتركة أيضا من الأسماء المعرفة كما سيأتي بيانه .
وما وقع فيه الخلاف من ألفاظ العموم خارجة في نفس الأمر عن كونها حقيقة في العموم دون غيره ، أو مجازا فيه وحقيقة
[10] فيه وفي غيره فتكون مشتركة .
وعلى كل تقدير ، فما خلا العموم في وضعهم عن معرف ، ولا خلاف في ذلك ، وإنما الخلاف في جهة دلالته عليه هل هي حقيقة أو مجاز ؟ وخفاء جهة الدلالة والوقوف في تعيينها لا يبطل أصل الوضع والتعريف .
[ ص: 212 ] وأما الشبهة الثانية : وقولهم إن ( من ) إذا كانت استفهامية لا تخلو عن الأقسام المذكورة في نفس الأمر مسلم .
ولكن لم قالوا بوجوب تعيين بعضها مع عدم الدليل القاطع على ذلك ؟
قولهم : لو كانت للخصوص لما حسن الجواب بكل العقلاء .
قلنا : ولو كانت للعموم لما حسن الجواب بالبعض الخاص لما قرروه ، وليس أحد الأمرين أولى من الآخر كيف وإن الجواب بالكل بتقدير أن يكون للخصوص يكون جوابا عن المسئول عنه وزيادة ؟ والجواب بالخصوص بتقدير أن يكون للعموم لا يكون جوابا عن المسئول عنه .
ولذلك كان الجواب بالكل مستحسنا .
ثم ما المانع أن تكون مشتركة ؟
[ ص: 208 ] وَأَمَّا شُبَهُ أَرْبَابِ الِاشْتِرَاكِ
[1] : فَأَوَّلُهَا : أَنَّ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=21135_21166الْأَلْفَاظَ وَالصِّيَغَ قَدْ تُطْلَقُ لِلْعُمُومِ تَارَةً وَلِلْخُصُوصِ تَارَةً ، وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ ، وَحَقِيقَةُ الْخُصُوصِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْعُمُومِ ، فَكَانَ اللَّفْظُ الْمُتَّحِدُ الدَّالُّ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةً مُشْتَرِكًا كَلَفْظِ الْعَيْنِ وَالْقُرْءِ وَنَحْوِهِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ يَحْسُنُ عِنْدَ إِطْلَاقِ هَذِهِ الصِّيَغِ الِاسْتِفْهَامُ مِنْ مُطْلَقِهَا أَنَّكَ أَرَدْتَ الْبَعْضَ أَوِ الْكُلَّ ، وَحُسْنُ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَلِيلُ الِاشْتِرَاكِ
[2] ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَمَا حَسُنَ الِاسْتِفْهَامُ عَنْ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ .
وَأَمَّا شُبَهُ مَنْ قَالَ بِالتَّعْمِيمِ فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي دُونَ الْأَخْبَارِ فَهُوَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى التَّكَالِيفِ بِأَوَامِرَ عَامَّةٍ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ وَبِنَوَاهٍ عَامَّةٍ لَهُمْ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِلْعُمُومِ لَمَا كَانَ التَّكْلِيفُ عَامًّا ، أَوْ كَانَ تَكْلِيفًا بِمَا لَا يُطَاقُ وَهُوَ مُحَالٌ .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَخْبَارِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِتَكْلِيفٍ ، وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يَجُوزُ وُرُودُهُ بِالْمَجْهُولِ ، وَلَا بَيَانَ لَهُ أَصْلًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=74وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=38وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرً ) بِخِلَافِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَرَدَ بِالْمُجْمَلِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=141وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ) ، وَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَيَانٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ مُتَأَخِّرٍ أَوْ مُقَارَنٍ .
وَالْجَوَابُ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَالِ عَنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الشُّبَهِ مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ ، فَعَلَيْكَ بِنَقْلِهِ إِلَى هَاهُنَا .
وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ التَّفْصِيلِ : أَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَرْبَابُ الْعُمُومِ مِنَ الْآيَاتِ ، أَمَّا قِصَّةُ
نُوحٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ إِضَافَةَ الْأَهْلِ قَدْ تُطْلَقُ تَارَةً لِلْعُمُومِ وَتَارَةً لِلْخُصُوصِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ : جَمَعَ السُّلْطَانُ أَهْلَ الْبَلَدِ ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَجْمَعِ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالْمَرْضَى
[3] .
وَعِنْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ ( الْقَوْلُ )
[ ص: 209 ] بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ بِقَرِينَةٍ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ بِقَرِينَةٍ .
وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ صِحَّةَ
nindex.php?page=treesubj&link=21160الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ بِالْقَرِينَةِ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَمْ لَا .
وَأَمَّا قِصَّةُ
ابْنُ الزِّبَعْرَى فَلَا حُجَّةَ فِيهَا أَيْضًا ، لِأَنَّ سُؤَالَهُ وَقَعَ فَاسِدًا حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ ( مَا ) عَامَّةٌ فِيمَنْ يَعْقِلُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ .
وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنْكِرًا عَلَيْهِ : "
مَا أَجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ ( مَا ) لِمَا لَا يَعْقِلُ [4] وَهِيَ وَإِنْ أُطْلِقَتْ عَلَى مَنْ يَعْقِلُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=5وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=6وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=91&ayano=7وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ) فَلَيْسَ حَقِيقَةً ، بَلْ مَجَازًا .
وَيَجِبُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ ( مَا ) لِمَا لَا يَعْقِلُ " وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْمَنْقُولِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ .
وَأَمَّا قِصَّةُ
إِبْرَاهِيمَ فَجَوَابُهَا بِمَا سَبَقَ فِي قِصَّةِ
نُوحٍ [5] .
وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِقِصَّةِ
عُمَرَ مَعَ
أَبِي بَكْرٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا أَيْضًا ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا فَهِمَ الْعِصْمَةَ مِنَ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ ، وَهِيَ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِذَلِكَ ، وَالْحُكْمُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهَا فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَكَانَ ذَلِكَ إِيمَاءً إِلَيْهَا بِالتَّعْلِيلِ .
أَمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ عُمُومِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَا .
وَمُعَارَضَةُ
أَبِي بَكْرٍ إِنَّمَا كَانَتْ لِمَا فَهِمَهُ
عُمَرُ مِنَ التَّعْلِيلِ الْمُقْتَضِي لِلتَّعْمِيمِ لَا لِغَيْرِهِ
[6] .
[ ص: 210 ] وَأَمَّا قِصَّةُ
فَاطِمَةَ مَعَ
أَبِي بَكْرٍ فَالْكَلَامُ فِي اعْتِقَادِ الْعُمُومِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=11يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ) مَا سَبَقَ فِي قِصَّةِ
نُوحٍ [7] ، وَهُوَ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنِ احْتِجَاجِ
عُثْمَانَ عَلَى جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ، ثُمَّ قَدْ أَمْكَنَ أَنْ يُضَافَ ذَلِكَ إِلَى مَا فُهِمَ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=21160الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَهِيَ الزَّوْجِيَّةُ لَا إِلَى عُمُومِ اللَّفْظِ .
وَكَذَلِكَ احْتِجَاجُ عَلِيٍّ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ ) لَمْ يَكُنْ لِعُمُومِ اللَّفْظِ ، بَلْ بِمَا أَوْمَى إِلَيْهِ اللَّفْظُ مِنَ الْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْجَمْعِ وَهِيَ الْأُخُوَّةُ فَإِنَّهَا مُنَاسِبَةٌ لِذَلِكَ ، دَفْعًا لِلْإِضْرَارِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنَ الْمُزَاحَمَةِ عَلَى الزَّوْجِ الْوَاحِدِ ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِاللَّفْظِ بِمُجَرَّدِهِ أَنْ لَوْ كَانَ لِلْعُمُومِ
[8] وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ .
وَإِنَّ صَحَّ الِاحْتِجَاجُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِنَفْسِ اللَّفْظِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الْعِلَّةِ الرَّافِعَةِ لِلْحَرَجِ فِي احْتِجَاجِ
عُثْمَانَ ، وَالْعِلَّةِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْجَمْعِ فِي احْتِجَاجِ
عَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - .
وَأَمَّا تَكْذِيبُ
عُثْمَانَ لِلشَّاعِرِ فِي قَوْلِهِ : (
وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلٌ
) فَإِنَّمَا كَانَ لِمَا فَهِمَهُ مِنْ حَالِ الشَّاعِرِ الدَّالَّةِ عَلَى قَصْدِ تَعْظِيمِ الرَّبِّ بِبَقَائِهِ ، وَبُطْلَانِ كُلِّ مَا سِوَاهُ .
أَمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُسْتَفَادًا مِنْ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ ( كُلُّ ) فَلَا
[9] .
[ ص: 211 ] وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ
أَبِي بَكْرٍ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355181الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ " إِنَّمَا فُهِمَ مِنْهُ التَّعْمِيمُ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ قَصْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِتَعْظِيمِ
قُرَيْشٍ وَمَيْزَتِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَبَائِلِ ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِ فِيهِمْ وَالِاسْتِغْرَاقِ لَمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ .
وَأَمَّا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى إِجْرَاءِ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي كُلِّ سَارِقٍ وَزَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا اقْتَرَنَ بِهَا مِنَ الْعِلَلِ الْمُومَى إِلَيْهَا الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْمِيمِ ، وَهِيَ السَّرِقَةُ وَالزِّنَى وَقَتْلُ الظَّالِمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ ، أَمَّا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُ تَعْمِيمِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ مُسْتَنِدًا إِلَى عُمُومِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ فَلَا .
وَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنَ الْأُولَى الْمَعْنَوِيَّةِ فَالْجَوَابُ عَنْهَا أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْعُمُومَ ظَاهِرٌ ، وَأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى وَضْعِ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ إِحَالَةَ الْإِخْلَالِ بِهِ عَلَى الْوَاضِعِينَ .
وَلِهَذَا قَدْ أَخَلُّوا بِالْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمَعَانِي الظَّاهِرَةِ الَّتِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَى تَعْرِيفِهَا بِوَضْعِ اللَّفْظِ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ كَالْفِعْلِ الْحَالِيِّ وَرَائِحَةِ الْمِسْكِ وَالْعُودِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الرَّوَائِحِ وَالطُّعُومِ الْخَاصَّةِ بِمِحَالِّهَا .
فَإِنْ قِيلَ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ أَخَلَّوْا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : رَائِحَةُ الْمِسْكِ وَرَائِحَةُ الْعُودِ وَطَعْمُ الْعَسَلِ وَطَعْمُ السُّكَّرِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
وَالْإِضَافَةُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَوْضَاعِ الْمُعَرَّفَةِ ، وَلِهَذَا فَإِنَّ الْبَارِي تَعَالَى قَدْ عَرَّفَ نَفْسَهُ بِالْإِضَافَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=15ذُو الْعَرْشِ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=3ذِي الطَّوْلِ ) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ .
قُلْنَا : وَعَلَى هَذَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَرَبَ أَخَلَّتْ بِمَا يَعْرِفُ الْعُمُومُ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21135الْأَسْمَاءَ الْمَجَازِيَّةَ وَالْمُشْتَرَكَةَ أَيْضًا مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُعَرَّفَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ .
وَمَا وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ خَارِجَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ عَنْ كَوْنِهَا حَقِيقَةً فِي الْعُمُومِ دُونَ غَيْرِهِ ، أَوْ مَجَازًا فِيهِ وَحَقِيقَةً
[10] فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ فَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً .
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ، فَمَا خَلَا الْعُمُومُ فِي وَضْعِهِمْ عَنْ مُعَرَّفٍ ، وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جِهَةِ دَلَالَتِهِ عَلَيْهِ هَلْ هِيَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ ؟ وَخَفَاءُ جِهَةِ الدَّلَالَةِ وَالْوُقُوفِ فِي تَعْيِينِهَا لَا يُبْطِلُ أَصْلَ الْوَضْعِ وَالتَّعْرِيفِ .
[ ص: 212 ] وَأَمَّا الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ : وَقَوْلُهُمْ إِنَّ ( مَنْ ) إِذَا كَانَتِ اسْتِفْهَامِيَّةً لَا تَخْلُو عَنِ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُسَلَّمٌ .
وَلَكِنْ لِمَ قَالُوا بِوُجُوبِ تَعْيِينِ بَعْضِهَا مَعَ عَدَمِ الدَّلِيلِ الْقَاطِعِ عَلَى ذَلِكَ ؟
قَوْلُهُمْ : لَوْ كَانَتْ لِلْخُصُوصِ لَمَا حَسُنَ الْجَوَابُ بِكُلِّ الْعُقَلَاءِ .
قُلْنَا : وَلَوْ كَانَتْ لِلْعُمُومِ لَمَا حَسُنَ الْجَوَابُ بِالْبَعْضِ الْخَاصِّ لِمَا قَرَّرُوهُ ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ كَيْفَ وَإِنَّ الْجَوَابَ بِالْكُلِّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِلْخُصُوصِ يَكُونُ جَوَابًا عَنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَزِيَادَةً ؟ وَالْجَوَابُ بِالْخُصُوصِ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لِلْعُمُومِ لَا يَكُونُ جَوَابًا عَنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ .
وَلِذَلِكَ كَانَ الْجَوَابُ بِالْكُلِّ مُسْتَحْسَنًا .
ثُمَّ مَا الْمَانِعُ أَنْ تَكُونَ مُشْتَرَكَةً ؟