1229 - أخبرنا أنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، نا محمد بن يوسف، نا محمد بن إسماعيل، آدم، نا نا شعبة، عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعت النزال بن سبرة الهلالي، قال: سمعت رجلا قرأ، وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ خلافها، فجئت به النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فعرفت في وجهه الكراهية، وقال: "كلاكما محسن، فلا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا". ابن مسعود، عن
هذا حديث صحيح.
قال رحمه الله: قد [ ص: 507 ] وأكثروا فيها القول، فقال قوم: هو وعد، ووعيد، وحلال، وحرام، ومواعظ، وأمثال، واحتجاج. اختلف أهل العلم في هذه الأحرف السبعة،
وقال قوم: هو أمر، ونهي، وحظر، وإباحة، وخبر ما كان، وما يكون، وأمثال.
وأظهر الأقاويل وأصحها وأشبهها بظاهر الحديث أن المراد من هذه الحروف اللغات، وهو أن يقرأه كل قوم من العرب بلغتهم، وما جرت عليه عادتهم من الإدغام، والإظهار، والإمالة، والتفخيم، والإشمام، والإتمام، والهمز، والتليين، وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلمة الواحدة.
قال إنما هو كقول أحدهم: هلم، وتعال، وأقبل. [ ص: 508 ] . ابن مسعود:
ثم فسره فقال: في قراءة ابن سيرين، "إن كانت إلا زقية واحدة" وهي في قراءتنا ( ابن مسعود صيحة واحدة ) والمعنى فيهما واحد.
وقال سبعة أحرف: يعني: سبع لغات من لغات العرب، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبع لغات، ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن، فبعضه بلغة أبو عبيد: قريش، وبعضه بلغة هوازن، وبعضه بلغة هذيل، وبعضه بلغة أهل اليمن، وكذلك سائر اللغات، ومعانيها في هذا كله واحدة، معناه: أنزل القرآن مأذونا للقارئ أن يقرأ على أي هذه الوجوه شاء، قالوا: وكان ذلك توسعة من الله عز وجل، ورحمة على هذه الأمة، إذ لو كلف كل فريق منهم ترك لغتهم، والعدول عن عادة نشؤوا عليها إلى غيرها، لشق عليهم، يدل عليه ما روي أنه قال: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب، جبريل، فقال: " يا جبريل، إني بعثت إلى أمة أميين، منهم العجوز، والشيخ الكبير، والغلام، والجارية، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط، قال: يا محمد، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ". [ ص: 509 ] . عن
وفيه دليل على أن المراد من الحروف اللغات، إذ لو كان المراد منها الأمر والنهي، والوعد والوعيد، لم يكن بعض الوجوه أيسر من بعض في القراءة والتلاوة، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لكل واحد من القارئين" هكذا أنزلت "، ولو كان الاختلاف بينهما في حلال، أو حرام، أو وعد، أو وعيد، أو خبر، لم يجز أن يصدقهما جميعا، لما يتضمن ذلك من الخلف، والتناقض، وكلام الله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك.
قال رحمه الله: ولا يكون هذا الاختلاف داخلا تحت قوله سبحانه وتعالى: ( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) إذ ليس معنى هذه الحروف أن يقرأ كل فريق بما شاء فيما يوافق لغته من غير توقيف، بل كل هذه الحروف منصوصة، وكلها كلام الله نزل به الروح الأمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: فجعل الأحرف كلها منزلة، "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف"، جبريل في كل شهر رمضان بما يجتمع عنده من القرآن، فيحدث الله فيه ما يشاء، وينسخ ما يشاء، وكان يعرض عليه في كل عرضة وجها من الوجوه التي أباح الله له أن يقرأ القرآن به، وكان يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الله سبحانه وتعالى أن يقرأ ويقرئ بجميع ذلك، وهي كلها متفقة المعاني، وإن اختلف بعض حروفها، كما روي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعارض عن أبيه، أن عبد الرحمن بن أبي بكرة، جبريل، قال لرسول الله: "اقرأ القرآن على حرف"، فقال له ميكائيل: استزده، فقال: على حرفين، حتى بلغ سبعة أحرف كلها شاف كاف، كقولك: هلم وتعال [ ص: 510 ] ما لم يختم آية رحمة بآية عذاب، وآية عذاب بآية رحمة. عن
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبي بن كعب، أبي، إني أقرئت القرآن، فقيل لي: على حرف أو حرفين؟ فقال الملك الذي معي: قل: على حرفين، فقلت على حرفين، فقيل لي: على حرفين أو ثلاثة؟ فقال الملك: قل: على ثلاثة أحرف، قلت: على ثلاثة أحرف، حتى بلغ سبعة أحرف، ثم قال: ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: سميعا عليما، عزيزا حكيما، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب ". وعن
وكان الأمر على هذا حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده كانوا يقرؤون بالقراءات التي أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقنهم بإذن الله عز وجل، إلى أن وقع [ ص: 511 ] عثمان بن عفان، واشتد الأمر فيه بينهم حتى أظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه، وخافوا الفرقة، فاستشار الاختلاف بين القراء في زمن عثمان الصحابة في ذلك، فجمع الله سبحانه وتعالى الأمة بحسن اختيار الصحابة على مصحف واحد هو آخر العرضات من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بكتبته جمعا بعد ما كان مفرقا في الرقاع بمشورة الصحابة حين استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة، فخافوا ذهاب كثير من القرآن بذهاب حملته، فأمر بجمعه في مصحف واحد، ليكون أصلا للمسلمين، فيرجعون إليه ويعتمدون عليه، فأمر أبو بكر الصديق عثمان بنسخه في المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه، قطعا لمواد الخلاف، فكان ما يخالف الخط المتفق عليه في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع منه باتفاق الصحابة.
والمكتوب بين اللوحين هو المحفوظ من الله عز وجل للعباد، وهو الإمام للأمة، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج من رسم الكتابة والسواد.
فأما القراءة باللغات المختلفة، فما يوافق الخط والكتاب، فالفسحة فيها باقية، والتوسعة قائمة بعد ثبوتها وصحتها بنقل العدول عن الرسول صلى الله عليه وسلم، على ما قرأ به القراء المعروفون بالنقل الصحيح عن الصحابة رضي الله عنهم. [ ص: 512 ] .
روي عن عن خارجة بن زيد بن ثابت، قال: القراءة سنة متبعة، وأراد به، والله أعلم، أن اتباع من قبلنا في الحروف وفي القراءة سنة متبعة، لا يجوز فيها مخالفة المصحف الذي هو إمام، ولا مخالفة القراءة التي هي مشهورة، وإن كان غير ذلك سائغا في اللغة، أجمعت الصحابة والتابعون فمن بعدهم على هذا أن القراءة سنة، فليس لأحد أن يقرأ حرفا إلا بأثر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم موافق لخط المصحف أخذه لفظا وتلقينا. زيد بن ثابت،
وقوله في الحديث: "كلها شاف كاف" يريد، والله أعلم، أن كل حرف من هذه الأحرف السبعة شاف لصدور المؤمنين، لاتفاقها في المعنى، وكونها من عند الله وتنزيله ووحيه، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ) وهو كاف في الحجة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لإعجاز نظمه، وعجز الخلق عن الإتيان بمثله، والله سبحانه وتعالى أعلم. [ ص: 513 ] .