الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                        صفحة جزء
                        اختلف المجوزون للتقليد ، هل يجب على العامي التزام مذهب معين في كل واقعة ؟ فقال جماعة منهم يلزمه : ورجحه إلكيا .

                        وقال آخرون : لا يلزمه ، ورجحه ابن برهان والنووي .

                        واستدلوا بأن الصحابة - رضي الله عنهم - لم ينكروا على العامة تقليد بعضهم في بعض المسائل ، وبعضهم في البعض الآخر .

                        وذكر بعض الحنابلة أن هذا مذهب أحمد بن حنبل ، فإنه قال لبعض أصحابه : لا تحمل الناس على مذهبك فيحرجوا ، دعهم يترخصوا بمذاهب الناس .

                        وسئل عن مسألة من الطلاق فقال : يقع يقع ، فقال له السائل : فإن أفتاني أحد أنه لا يقع [ ص: 772 ] يجوز ؟ قال : نعم . وقال : وقد كان السلف يقلدون من شاءوا قبل ظهور المذاهب .

                        وقال ابن المنير الدليل يقتضي التزام مذهب معين بعد الأربعة ، لا قبلهم . انتهى .

                        وهذا التفصيل مع زعم قائله أنه اقتضاه الدليل من أعجب ما يسمعه السامعون ، وأغرب ما يعتبر به المنصفون .

                        أما إذا التزم العامي مذهبا معينا فلهم في ذلك خلاف آخر ، وهو أنه هل يجوز أن يخالف إمامه في بعض المسائل ، ويأخذ بقول غيره ، فقيل : لا يجوز .

                        وقيل : يجوز .

                        وقيل : إن كان قد عمل بالمسألة لم يجز له الانتقال ، وإلا جاز .

                        وقيل : إن كان بعد حدوث الحادثة التي قلد فيها لم يجز له الانتقال ، وإلا جاز ، واختار هذا إمام الحرمين .

                        وقيل : إن غلب على ظنه أن مذهب غير إمامه في تلك المسألة أقوى من مذهبه جاز له ، وإلا لم يجز ، وبه قال القدوري الحنفي ، وقيل : إن كان المذهب الذي أراد الانتقال إليه مما ينقض الحكم لم يجز له الانتقال ، وإلا جاز ، واختاره ابن عبد السلام ، وقيل : يجوز بشرط أن ينشرح له صدره ، وأن لا يكون قاصدا للتلاعب ، وأن لا يكون ناقضا لما قد حكم عليه به ، واختاره ابن دقيق العيد .

                        وقد ادعى الآمدي ، وابن الحاجب : أنه يجوز قبل العمل لا بعده بالاتفاق .

                        واعترض عليهما : بأن الخلاف جاز فيما ادعيا الاتفاق عليه .

                        أما لو اختار المقلد من كل مذهب ما هو الأهون عليه ، والأخف له ، فقال أبو إسحاق المروزي : يفسق .

                        وقال ابن أبي هريرة : لا يفسق .

                        [ ص: 773 ] قال الإمام أحمد بن حنبل : لو أن رجلا عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ ، وأهل المدينة في السماع ، وأهل مكة في المتعة ، كان فاسقا . وخص القاضي من الحنابلة التفسيق بالمجتهد ، إذا لم يؤد اجتهاده إلى الرخصة ، واتبعها العامي العامل بها من غير تقليد ؛ لإخلاله بفرضه وهو التقليد فأما العامي إذا قلد في ذلك فلا يفسق لأنه قلد من سوغ اجتهاده .

                        وقال ابن عبد السلام : إنه ينظر إلى الفعل الذي فعله ، فإن كان مما اشتهر تحريمه في الشرع أثم ، وإلا لم يأثم .

                        وفي السنن للبيهقي عن الأوزاعي : من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام " وروى عنه أنه قال : يترك من قول أهل مكة المتعة ، والصرف ، ومن قول أهل المدينة السماع ، وإتيان النساء في أدبارهن ، ومن قول أهل الشام الحرب والطاعة ، ومن قول أهل الكوفة النبيذ " .

                        وحكى البيهقي عن إسماعيل القاضي قال : دخلت على المعتضد فرفع إلي كتابا نظرت فيه ، وقد جمع فيه الرخص ، من زلل العلماء وما احتج به كل منهم . فقلت : مصنف هذا زنديق ، فقال : لم تصح هذه الأحاديث ؟ ( فقلت : الأحاديث ) على ما رويت ، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة ، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر ، وما من عالم إلا وله زلة ، ومن جمع زلل العلماء ، ثم أخذ بها ذهب دينه ، فأمر المعتضد بإحراق ذلك الكتاب .

                        التالي السابق


                        الخدمات العلمية