الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالذي فهمناه من السؤال هو أنك قد غششت في المسابقة، ومن ثم حصلت على الوظيفة المتسابق إليها، وأنه لولا الغش لما كانت تلك الوظيفة من نصيبك.
فإذا كان هذا هو ما تعنيه فنقول: إنه ليس من شك في أن الغش ظاهرة خطيرة وسلوك مشين، وهو محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: من غشنا فليس منا، وفي رواية لمسلم: ليس منا من غش.
والغش في المسابقات أسوأ لما يترتب عليه في الغالب من تفويت حق من هو أولى، وتولي المناصب من لا يستحق توليها.
والمرء إذا حصل منه غش في مسابقة، وتولى بسبب ذلك منصبا لم يكن ليتولاه لولا الغش، فإنه لو كان في المتصور إمكان تنازله عن المنصب لصالح المستحق لما بعُد إلزامه بذلك؛ لوجوب تصحيح الأخطاء إذا ارتكبت.
ولكن هذا الأمر غير ممكن -قطعا-؛ لأن الجهة المنظمة للمسابقة لن ترضى به، ولأن صاحب الحق غير معروف.
ولو افترضت معرفته باعتبار ترتيب اللائحة فإنه ليس مقطوعا بأنه هو صاحب الحق، ولاعتبارات أخرى كثيرة لا يمكن حصرها...
وعلى أن المستحق لا يتصور إمكان إرجاع المنصب إليه، فهل يستحق الحاصل عليه بالغش أن يبقى فيه إذا كانت له الكفاءة على أداء العمل كما يريد أصحابه، أم أن ذلك ليس له؛ لأنه ناله بوجه غير صحيح؟
والذي نراه –والله أعلم- هو أنه إذا تاب من الغش وكانت له الكفاءة على أداء العمل، أن له البقاء في المنصب. وذلك لأن اختيار الأكفأ ليس شرطا في صحة التولي، فقد جاء في الأحكام السلطانية وفي كتب أخرى كثيرة أنه: يجوز في ولاية القضاء تقليد المفضول مع وجود الأفضل, لأن زيادة الفضل مبالغة في الاختيار وليست معتبرة في شروط الاستحقاق. اهـ، ويقاس على القضاء سائر المناصب.
وعليه، فما دمت تجيد عملك وتقوم به على الوجه المطلوب، وكنت قد تبت من هذا الخطإ، فلا نرى عليك حرجا في البقاء فيه.
والله أعلم.