الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن كان المقصود هو السؤال عن الاسترقاء الذي هو طلب الرقية فهذا جائز، وقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تدل على جوازه، ومنها حديث عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك. رواه مسلم. وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين. رواه مسلم. إلى غير ذلك من الأحاديث.
ولا تعارض بين هذه الأحاديث وحديث: يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون. رواه البخاري ومسلم.
وقد جمع الإمام النووي رحمه الله بين هذا الحديث والأحاديث التي قبله فقال في شرح مسلم: فقد يظن مخالفاً لهذه الأحاديث، ولا مخالفة، بل المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار، والرقى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يعرف معناها، فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه، أو مكروه وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه، بل هو سنة. ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين إن المدح في ترك الرقى للأفضلية، وبيان التوكل والذي فعل الرقى، وأذن فيها لبيان الجواز مع أن تركها أفضل، وبهذا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه، والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات، وأذكار الله تعالى قال المازري: جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره، ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية، أو بما لا يدرى معناه، لجواز أن يكون فيه كفر... وأما قوله في الرواية الأخرى: يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى، فأجاب العلماء عنه بأجوبة: أحدها: كان نهى أولاً، ثم نسخ ذلك، وأذن فيها وفعلها، واستقر الشرع على الإذن.
والثاني: أن النهي عن الرقى المجهولة كما سبق.
والثالث: أن النهي لقوم كانوا يعتقدون منفعتها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية تزعمه في أشياء كثيرة.
أما قوله في الحديث الآخر (لا رقية إلا من عين أو حمة) فقال العلماء: لم يرد به حصر الرقية الجائزة فيهما، ومنعها فيما عداهما، وإنما المراد لا رقية أحق وأولى من رقية العين والحمة لشدة الضرر فيهما. انتهى.
والله أعلم.