الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن اختلاط الرجال بالنساء في مكانٍ واحد ـ على الوضع الشائع الآن ـ محرم شرعاً، لما يترتب عليه من مفاسد وأضرار كثيرة دينية ودنيوية لا تخفى على أحدٍ، ولمزيد من التفصيل تراجع الفتوى رقم: 3539.
وبناءً على ذلك، فإن العمل في الأماكن المختلطة بالمعنى المذكور لا يجوز إلا لضرورة لا يمكن دفعها إلا بذلك، ولا يبيحه إذن الزوج فيه، بل يجب عليه أن يمنع الزوجة منه ديانة وغيرة، وقياماً بالمسؤولية التي جعلها الله تعالى على عاتقه، والتي من أهمها أن يقيها نار جنهم. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) [التحريم: 6].
ثم لتعلم هذه السيدة أن الله تعالى الذي خلق فأحسن وأحكم قد وزع الوظائف والمهام، فدور المرأة في الأسرة تربية أولادها، وإصلاح شأن بيتها، والله سبحانه وتعالى لم يكلفها بالكسب، ولم يوجب عليها نفقة نفسها ولا أولادها.
ودور الرجل هو: طلب المعاش، وكسب المال من حله، وذلك ليقوم بما أوجبه الله تعالى عليه من النفقة على الزوجة والعيال، ومن تلزمه نفقتهم من الأقارب، فإذا قام كل بدوره الذي أناطه الله به، وجعل تكوينه الخلقي والخلقي ملائما له، صلحت أحوال البيت، وحصل التوازن فيه بإذن الله تعالى، وننبه هنا إلى أمرين اثنين:
الأول: أنه لا مانع من أن تقوم المرأة بالكسب عن طريق عمل تمارسه في بيتها، كالخياطة، والحياكة، والنسيج.
كما أنه لا مانع أن تقوم خارج بيتها بعمل يلائم طبيعتها، كتدريس البنات، وتطييب النساء، ونحو ذلك.
ويشترط أن يكون ذلك بإذن الزوج، وأن لا يكون فيه تضيع لحق واجب، وأن تلتزم بالحجاب، والتستر عند خروجها، وألا يكون مكان العمل فيه اختلاط، بل إن المرأة قد تثاب على ذلك إذا أحسنت النية والقصد، وقامت بذلك خدمة لمجتمعها وأمتها.
الثاني: إذا لم يكن للمرأة عائل يعولها، واضطرت لإيجاد مصدر رزق، ولم تجد لذلك سبيلاً، إلا العمل في مكان مختلط جاز لها العمل فيه مع التحفظ غاية التحفظ، والبحث المستمر عن عمل لا يقتضي الاختلاط بالرجال، وذلك لقول الله تعالى: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه) [الأنعام: 119].
ولقوله تعالى: (فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه) [البقرة: 173].
وتعليقاً على ما في السؤال من أن مكان العمل على بعد ثمانين كيلو مترا من بيت المرأة نقول: إنه إذا كان مكان العمل خارج المدينة التي تسكنها المرأة، بحيث يعد ذهابها إليه سفراً، فإنه لا يجوز لها الذهاب إليه إلا مع محرم أو زوج، لما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم".
فإن لم تجد المحرم، أو الزوج القادر على السفر معها، وكانت مضطرة للعمل على الوضع السابق بيانه، فعليها أن تحاول السفر عبر رفقة آمنة، وأن لا تخلو في سفرها مع رجل أجنبي منفرد، تحت أي ظرف من الظروف.
والله أعلم