الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالإسبال مذموم على كل حال، سواء كان في الصلاة أو كان خارجها، لحديث أبي ذر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم قلت: من هم يا رسول الله خابوا وخسروا؟ فأعاد ثلاثاً. قلت من هم خابوا وخسروا؟ قال: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، أو الفاجر. رواه مسلم.
وفي البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار.
أما صلاة المسبل ثوبه؛ فهي مجزئة عند جماهير العلماء مع الكراهة، ونصوا على أن الكراهة هي كراهة تحريم إذا كان ذلك للخيلاء، وأجابوا عما في سنن أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- من أنه قال: بينما رجل يصلي مسبلاً إزاره، إذ قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء، ثم قال اذهب فتوضأ فذهب فتوضأ ثم جاء، فقال له رجل يا رسول الله ما لك أمرته أن يتوضأ ثم سكت عنه؟ فقال: إنه كان يصلي وهو مسبل إزاره، وإن الله تعالى لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره.
نقول: أجابوا عن هذا بأنه لا يصلح لأن يكون دليلاً على خلاف ما عليه الجمهور من إجزاء صلاة المسبل ثوبه لأمرين اثنين:
1- أن الحديث ضعيف كما نص على ذلك أئمة الحديث، ولذلك لم يحتج به ابن حزم لما ذهب إليه من أن صلاة المسبل غير مجزئة، وإنما استدل ببعض الآثار.
2- أنه على افتراض صحته، فإن عدم القبول لا يعني -بالضرورة- عدم الإجزاء، فقد ثبت أن من أتى عرافاً لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، ومن شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، ومع ذلك لم يؤمر أحد منهما بالإعادة، مما يدل على أن الصلاة مجزئة، وإنما المنفي حصول الثواب والقبول الذين يحصلان للمتقين المطيعين. قال تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة:27].
وبناء على ما تقدم؛ فإن الراجح -إن شاء الله تعالى- هو ما عليه الجمهور من صحة صلاة المسبل. ويبنى على ذلك صحة الصلاة خلفه، وإن كان الأولى أن يصلي المسلم خلف الأتقى والأورع، ولكن إن صلى خلف مرتكب المعصية، والمتصف بالبدعة غير المكفرة، فالصلاة صحيحة، وقد صلى جماعة من الصحابة خلف الحجاج وغيره.
ثم إنه لو كان المرء مطالباً بأن لا يصلي إلا خلف الأتقى الأورع، لكان لزاماً عليه أن يبحث -كلما أراد أن يصلي- عن حال من يصلي خلفه. ولا يخفى ما في ذلك من المشقة الزائدة والحرج الشديد، والله -جلَّ وعلا- يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78].
والله أعلم.