الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن بإمكانكم قسمة هذا المنزل وغيره على أحد أنواع القسمة الثلاثة المعروفة عند أهل العلم وهي: قسمة المهايأة أو المهانأة، وقسمة المراضاة أو الاتفاق، وقسمة القرعة.
فالقسمة الأولى: أن يستغل بعض الورثة المنزل بالسكنى أو بالإيجار فترة معينة تتناسب مع حصته من التركة، فإذا انتهت هذه المدة انتقل المنزل إلى غيره من الورثة، وهكذا.
وأما الثانية فهي: أن يتفق الورثة ويتراضوا على طريقة للتقسيم فيأخذ كل واحد منهم غرفة أو شقة تساوي حصته أو أكثر منها أو أقل على أنها هي نصيبه من التركة، فهذه القسمة جائزة أيضاً ولو حصل فيها غبن لبعض الورثة إن كان راضياً رشيدا بالغاً فلا مانع منها شرعاً، ولا يجوز الغبن فيها لمن لم يكن راضيا أو بالغا رشيدا.
وأما النوع الثالث وهو إذا لم يحصل اتفاق، فإن المنزل يقوم وتقسم قيمته على الورثة كل حسب نصيبه من التركة، فيأخذ مقابلها جزءا من المنزل ،وقد أوضح كيفيتها الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير فقال: صِفَةُ ذلك أَنْ يَعْدِلَ الْمَقْسُومُ من دَارٍ أو غَيْرِهَا بِالْقِيمَةِ بَعْدَ تَجْزِئَتِهِ على قَدْرِ مُقَامِ أَقَلِّهِمْ جُزْءًا فإذا كان لِوَاحِدٍ نِصْفُ دَارٍ وَلِآخَرَ ثُلُثُهَا وَلِآخَرَ سُدُسُهَا فَتُجْعَلُ ستة أَجْزَاءٍ مُتَسَاوِيَةَ الْقِيمَةِ وَيُكْتَبُ أَسْمَاءُ الشُّرَكَاءِ في ثَلَاثَةِ أَوْرَاقٍ كُلُّ اسْمٍ في وَرَقَةٍ وَتُجْعَلُ كُلُّ وَرَقَةٍ في بُنْدُقَةٍ ثُمَّ يَرْمِي بُنْدُقَةً على طَرَفِ قِسْمٍ مُعَيَّنٍ من طَرَفَيْ الْمَقْسُومِ ثُمَّ يُكْمِلُ لِصَاحِبِهَا مِمَّا يَلِي ما رُمِيَتْ عليه إنْ بَقِيَ له شَيْءٌ ثُمَّ يَرْمِي ثَانِيَ بُنْدُقَةٍ على أَوَّلِ ما بَقِيَ مِمَّا يَلِي حِصَّةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُكْمِلُ له مِمَّا يَلِي ما وَقَعَتْ عليه ثُمَّ يَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ فَكُلُّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ جَمِيعَ نَصِيبِهِ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ من غَيْرِ تَفْرِيقٍ وَتَبَيَّنَ أَنَّ رَمْيَ الْوَرَقَةِ الْأَخِيرَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ في تَمْيِيزِ نَصِيبٍ من هِيَ له لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِرَمْيِ ما قَبْلَهَا فَكِتَابَتُهَا وَخَلْطُهَا إنَّمَا هو لِاحْتِمَالِ أَنْ تَقَعَ أَوَّلًا إذْ لَا يُعْلَمُ أنها الْأَخِيرَةُ إلَّا بَعْدُ ، و بالإمكان أن يباع المنزل ويعطى كل واحد منهم نصيبه من ثمنه، وما ذكرناه يتناول الأخت المقيمة خارج المنزل فهي كغيرها من الورثة، وأما ابنك المقيم في المنزل بعقد الإيجار فلا حظ له من التركة لوجود الأبناء المباشرين للميت وأنت منهم، ولأنه مدل لهذا الميتة بك والشخص لا يرث مع وجود من هو مدل به، فلو لم يكن للميتة ولد غيرك لما ورث ابنك منها.
والشقة التي يسكن فيها تعتبر جزءا من التركة فعليه أن يسلمها لمن وقعت في نصيبه من الورثة، وإذا كان قد بقي عليه شيء من الإيجار فعليه أن يرده لعموم التركة إلا إذا تنازل له الورثة عنه برضاهم وكانوا رشداء بالغين.
وحيئنذ يجوز له أن يستأجرها من المالك بعقد جديد إذا كان العقد الأول قد انتهى.
وإلا فله أن يكمل المدة التي تم عليها التعاقد، والإيجار بعد القسمة يكون لمن وقعت الشقة في نصيبه.
وبعد انتهاء مدة العقد يكون الأمر للمالك إن شاء جدد له الإيجار، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 14898.
وللمزيد من الفائدة نرجو الاطلاع على الفتاوى التالية أرقامها: 54557، 51921، 63445.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية، وبالتالي فلا يمكن الاكتفاء ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لابد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذا قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.