الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن وصف الخاتم قد رواه الترمذي والحاكم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خرج أبو طالب إلى الشام، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له: أشياخ من قريش ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة، ثم رجع فصنع لهم طعاما، فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل قال: أرسلوا إليه، فأقبل وعليه غمامة تظله، فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة، فلما جلس مال في الشجرة عليه فقال: انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه! قال: فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه، فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: جئنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس، وإنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم قالوا إنما اخترنا خيرة لك لطريقك هذا، قال: أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا: لا، قال: فبايعوه وأقاموا معه، قال: أنشدكم الله أيكم وليه؟ قالوا: أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت. قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال العجلوني: في كشف الخفاء بعد روايته له من طريق البيهقي والخرائطي: هذا حديث ضعفه الذهبي لقوله في آخره: وبعث معه أبو بكر بلالا، فإن أبا بكر لم يكن إذ ذاك اشترى بلالا. وقال الحافظ ابن حجر: الحديث رجاله ثقات وليس فيه منكر سوى هذه اللفظة فيحمل على أنها مدرجة مقتطعة من حديث آخر. وقال البيهقي هذه قصة مشهورة عند أهل المغازي. وذكر الجلال السيوطي في الخصائص الكبرى لها شواهد. وقال النجم: رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه، وابن أبي شيبة والبيهقي وأبو نعيم والأصبهاني والخرائطي في الهواتف، وابن عساكر عن أبي موسى ثم ذكر الحديث باللفظ المتقدم آخرا، وقال الترمذي بعد ذكره الحديث: إنه حسن غريب لا نعرفه إلا من طريق أبي نوح قراد واسمه عبدالرحمن بن غزوان وهو ممن خرج له البخاري، ووثقه جماعة من الحفاظ، وقد سمعه منه أحمد وابن معين، وأبو موسى إما أن يكون تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون أبلغ أو من بعض كبار الصحابة أو كان مشهورا فأخذه بطريق الاستفاضة.انتهى كلام العجلوني.
وقد تابع الألباني ابن حجر فصحح الحديث في تحقيقه لسنن الترمذي وللمشكاة فقال: صحيح؛ لكن ذكر بلال فيه منكر.
ثم إن رسم مثال للخاتم من باب التقريب اعتمادا على ما في هذا الحديث لاحرج فيه؛ ولكن القول بأن من نظر إليه يحصل له كذا وكذا لا نعلم له دليلا، ونخشى أن يكون من التقول على الله بغير علم لأن حفظ الله وغيره من أفعاله لا يمكن القول فيه بغير دليل.
وأما الكذب على النبي صلى عليه وسلم فهو ذنب عظيم متوعد عليه بالنار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. متفق عليه. وقوله صلى الله عليه وسلم: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين. رواه مسلم.
هذا وننبه إلى أن الله تعالى امتن علينا بإرسال النبي صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه ليتلوه علينا ويزكينا به، فقال تعالى : لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ {آل عمران:164}. وقد نقل لنا العلماء القرآن عنه ونقلوا لنا هديه وتطبيقه للدين، فمن تابعه في ذلك فعمل بالقرآن والسنة حقق الله له الفلاح والرحمة في الدارين، قال الله تعالى : وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {الأعراف:156ـ157}.
فعلينا أن نكتفي بهذا السبب المحقق، ونوقن به ونتسبب به لتحقيق جميع طموحاتنا في الدنيا والآخرة ونترك الاشتغال بما لم بثبت، فإن من مداخل الشيطان شغل الناس بالغرائب والموضوعات عما صح من الهدي النبوي قولا وعملا، وراجع الفتوى رقم 36751.
والله أعلم.