الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل تحريم الغيبة، وذكر المساوئ، والتشهير بالعيوب، قال تعالى: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا {الحجرات: 12}، وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه، فقد بهتّه.
وفي سنن ابن ماجه عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من ستر عورة أخيه المسلم، ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم، كشف الله عورته، حتى يفضحه بها في بيته.
فلا يجوز ذكر العيوب والمساوئ إلا لمصلحة معتبرة شرعًا، مع الاقتصار على قدر الحاجة. قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: والغيبة محرّمة بالإجماع، ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل والنصيحة. انتهى.
فمن علم من زميله سوءًا؛ فليس له أن يفضحه ويشهِّر به بين الناس؛ لكن إذا علم أنّ أحدًا يريد معاملته؛ فيذكر له عيبه بقدر ما يحصل به التحذير والنصيحة.
قال الهيتمي -رحمه الله- في الزواجر عن اقتراف الكبائر: كما يجب عليه إذا رأى إنسانًا يخطب امرأة، ويعلم بها أو به عيبًا، أو رأى إنسانًا يريد أن يخالط آخر لمعاملة، أو صداقة، أو قراءة نحو علم، وعلم بأحدهما عيبًا، أن يخبر به، وإن لم يستشر به، كل ذلك أداء للنصيحة المتأكد وجوبها لخاصة المسلمين وعامتهم. انتهى.
وينبغي الحرص على إخلاص النية، وحسن القصد في النصيحة، والحذر من خداع النفس، وتلبيس الشيطان، فقد يكون الدافع إلى ذكر العيوب هو الحقد، أو الحسد، ونحو ذلك.
قال أبو حامد الغزالي -رحمه الله- في إحياء علوم الدين: اعلم أن المرخص في ذكر مساوي الغير، هو غرض صحيح في الشرع، لا يمكن التوصل إليه إلا به، فيدفع ذلك إثم الغيبة، وهي ستة أمور...
الرابع: تحذير المسلم من الشر، فإذا رأيت فقيها يتردد إلى مبتدع، أو فاسق، وخفت أن تتعدى إليه بدعته وفسقه، فلك أن تكشف له بدعته وفسقه، مهما كان الباعث لك الخوف عليه من سراية البدعة والفسق لا غيره، وذلك موضع الغرور، إذ قد يكون الحسد هو الباعث، ويُلبِّس الشيطان ذلك بإظهار الشفقة على الخلق... وكذلك المستشار في التزويج وإيداع الأمانة، له أن يذكر ما يعرفه على قصد النصح للمستشير، لا على قصد الوقيعة، فإن علم أنه يترك التزويج بمجرد قوله لا تصلح لك، فهو الواجب، وفيه الكفاية، وإن علم أنه لا ينزجر إلا بالتصريح بعيبه، فله أن يصرّح به. انتهى مختصرًا.
والله أعلم.