الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يحرم تعمّد تشكيل القرآن بشكل مخالف لما يُقرَأ به، ويحرم كذلك تعمّد تقطيع الكلمة القرآنية؛ فقد أوجب العلماء اتّباع كتابة الصحابة للمصحف، والالتزام بما كتبوه موصولًا أو مفصولًا، كما قدمنا بسطه في الفتاوى: 328714، 51433، 308281.
وأما عن نصحك لمن خالف هذا، فهو واجب شرعي؛ عملًا بما في النصوص الواردة في التناصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم يستجيبوا لك؛ فعليك أن تصبر، ولا تملّ؛ فالدعوة تحتاج إلى صبر ومصابرة، فنوح -عليه السلام- مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعو قومه ليلًا ونهارًا سرًّا وجهارًا، كما قال الله تعالى عنه: قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا {نوح:5-9}.
وقد اختلف أهل العلم: هل يجب النهي عن المنكر عند عدم ظن الإفادة أم يكون مستحبًا فقط؟ فقد قال النووي رحمه الله: قال العلماء ـ رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلّف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، وقد قدّمنا أن الذي عليه الأمر والنهي لا القبول. اهـ. من شرح صحيح مسلم.
وذكر ابن عبد السلام في قواعده أنه لا يجب الإنكار عند اليأس من الاستجابة، وإنما يكون مستحبًّا.
وقال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم: حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن الإمام أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه، وصحح القول بوجوبه، وهو قول أكثر العلماء، وقد قيل لبعض السلف في هذا، فقال: يكون لك معذرة، وهذا كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، قال الحافظ: وقد ورد ما يستدلّ به على سقوط الأمر والنهي عند عدم القبول، والانتفاع به ... اهـ.
والله أعلم.