الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالاستنشاق عند الاستيقاظ من النوم ليس واجبا عند فقهاء الحنابلة، وإنما الواجب عندهم غسل اليدين ثلاثا قبل غمسهما في الإناء للمستيقظ من نوم الليل الناقض للوضوء، وإنما تجب المضمضة والاستنشاق عندهم في الوضوء، والغسل، لا للقيام من النوم.
ووجوب المضمضة والاستنشاق في الوضوء، هو مما انفرد به الحنابلة، خلافا للجمهور، ووافقهم الحنفية، فأوجبوهما في الغسل.
وأما ابن حزم؛ فيوجب الاستنشاق والاستنثار -ثلاثا- عند الاستيقاظ من النوم، ليلا كان، أو نهارا، ولا يوجب المضمضة، وإنما أوجب الاستنثار والاستنشاق؛ للحديث الوارد في ذلك.
قال أبو محمد ابن حزم: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْتَيْقِظٍ مِنْ نَوْمٍ -قَلَّ النَّوْمُ، أَوْ كَثُرَ، نَهَارًا كَانَ، أَوْ لَيْلًا، قَاعِدًا، أَوْ مُضْطَجِعًا، أَوْ قَائِمًا، فِي صَلَاةٍ، أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ، كَيْفَمَا نَامَ، أَلَا يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وُضُوئِهِ- فِي إنَاءٍ كَانَ وُضُوءَهُ، أَوْ مِنْ نَهْرٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ-، حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَسْتَنْشِقَ، وَيَسْتَنْثِرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ، لَمْ يُجِزْهُ الْوُضُوءُ، وَلَا تِلْكَ الصَّلَاةُ، نَاسِيًا تَرَكَ ذَلِكَ، أَوْ عَامِدًا، وَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَيَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَبْتَدِيَ الْوُضُوءَ، وَالصَّلَاةَ، وَالْمَاءُ طَاهِرٌ بِحَسَبِهِ، فَإِنْ صَبَّ عَلَى يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ دُونَ أَنْ يَغْمِسَ يَدَيْهِ، فَوُضُوءُهُ غَيْرُ تَامٍّ، وَصَلَاتُهُ غَيْرُ تَامَّةٍ. انتهى.
والحاصل أنه لا يقول أحد من العلماء -بحسب اطلاعنا- بوجوب المضمضة على القائم من النوم، وإنما يوجبها الحنابلة في الوضوء -كما ذكرنا- خلافا للجمهور، والمفتى به عندنا قول الجمهور، والخروج من الخلاف أحوط بلا شك.
والله أعلم.