الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن تكثير النسل مطلب شرعي لما فيه من تكثير سواد هذه الأمة، وعامل مهم من عوامل قوتها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم. وراه أحمد وأبو داود، وصححه العراقي.
وقد يظن بعض الناس أن كثرة الأولاد عامل لتضييق الرزق، خاصة في هذا الزمان الذي ارتفعت فيه تكاليف الحياة من جميع جوانبها، وينسى هؤلاء أن الله تعالى قد تكفل برزق الخلائق، حيث قال: [وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا] (هود: 6). وقوله: [إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ] (الذريات:58).
بل إن الواجب على المسلم اعتقاد أنه ما من مولود إلا ويكتب رزقه قبل أن يولد، لما في الصحيحين عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة، فإذا أراد أن يقضي خلقه أذكر أم أنثى، شقي أم سعيد، فما الرزق والأجل، فيكتب في بطن أمه. وفي رواية لمسلم: ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد.. الحديث، ولن تموت نفس حتى تستكمل رزقها الذي كتب الله تعالى لها في هذه الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب. رواه أبو نعيم وصححه الألباني.
وعلى هذا، فإن تحديد عدد الأولاد من غير حاجة معتبرة شرعا لا يجوز، كما هو مبين في الفتوى رقم: 32876، وذلك لما فيه من ضعف اليقين في وعد الله تعالى بالرزق، وقد عاب الله على الكفار قتل أولادهم خشية الفقر والفاقة فقال: [وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ] (الإسراء: 31).
قال ابن كثير في تفسيره: أي ولا تقتلوهم من فقركم الحاصل، وقال في سورة الإسلراء: [وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ] أي خشية حصول الفقر في الآجل، ولهذا قال: [نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ] فبدأ برزقهم للاهتمام بهم، أي لا تخافوا من فقركم على الله.
والله أعلم.