الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا ريب في بطلان الاحتجاج بوجود التبذير في وزن اللحم المطلوب. فالعبرة بأداء الأمانة، والوفاء بالعقود، كما أمر الله تعالى فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ {المائدة:1}.
فيجب على شركتكم أن تفي بشروط عقدها مع الشركة الأخرى، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المسلمون على شروطهم. رواه البخاري تعليقا، وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني.
وقال القاسم بن محمد: ما أدركت الناس إلا وهم على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا. رواه مالك في الموطأ.
وعلى ذلك، فلا يجوز تعمد إنقاص الوزن المتعاقد عليه، ومن فعل ذلك فقد غش، وخان الأمانة، ويكون له نصيب من الآية التي ذكرها السائل: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين: 1].
قال البغوي في تفسيره: يعني الذين ينقصون المكيال والميزان، ويبخسون حقوق الناس. قال الزجاج: إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف؛ لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف. اهـ.
وهذا بخلاف غير العمد من الخطأ اليسير الذي يجري فيه التسامح عرفا، أو الذي يشق التدقيق في مراعاته، ولذلك قال الله تعالى: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأنعام: 152].
قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: {لا نكلف نفسا إلا وسعها} أي: من اجتهد في أداء الحق وأخذه، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه. اهـ.
وقال القاسمي في محاسن التأويل: {لا نُكَلِّفُ نَفْسًا} أي: عند الكيل والوزن {إِلَّا وُسْعَها} أي: جهدها بالعدل. وهذا الاعتراض جيء به عقيب الأمر بالعدل، لبيان أن مراعاة الحدّ من القسط الذي لا زيادة فيه ولا نقصان، مما يجري فيه الحرج لصعوبة رعايته. فأمر ببلوغ الوسع، وأن الذي ما وراءه معفوّ عنه. اهـ.
والله أعلم.