الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فحرمة المسلم بعد موته باقية، وعلى المسلمين تكريمه بالغسل والتكفين والصلاة عليه ودفنه وعدم التعرض لجثته بقطع أو تمثيل أو تشريح بعد موته إلا إذا ترتب على تشريح جثته مصلحة معتبرة أو ضرورة، فيجوز بقدر ذلك دون زيادة أو توسع، ولهذا نظائر عند فقهاء الأمة الأقدمين، فقد ذهب الحنفية وهو قول لبعض المالكية ومذهب الشافعية، واختيار الشوكاني وابن حزم إلى جواز شق بطن الميتة لإخراج الجنين إن رجيت حياته، ومن نظائر ذلك أيضا ما ذكره فقهاء الحنابلة كما في "كشاف القناع" و"المغني" بأنه إذا مات شخص في بئر فإن أمكن إخراجه بلا تقطيع أو تمثيل به، وجب لتأدية فرض غسله وتكفينه، وإن لم يمكن إخراجه بالكلية أو لم يمكن إلا مقطعا نظر، فإن لم تكن ثمة حاجة إلى البئر طمست عليه لتصبح قبرا له، ومع حاجة أهل القرية أو المارة إليها يخرج ولو أدى إلى تقطيعه، لأن فيه جمعا لحقوق كثيرة نفع المارة وأهل القرية وغسل الميت ودفنه.
وفي تشريح الجثة لأغراض التعليم مصالح عظيمة وعامة، فإنه سبب في إنقاذ حياة الناس والمحافظة على صحتهم وغير ذلك، وعليه، فيجوز للمسلم أن يتبرع بجثته لهذا الغرض، وهذا الجواز يتفق مع القواعد الإسلامية العامة، فإنها مبنية على رعاية المصالح الراجحة وتحمل الضرر الأخف لجلب مصلحة تفويتها أشد من هذا الضرر، وهذا ما جرى عليه الإفتاء في الجهات العلمية المعاصرة، وقد ذكرنا تسميتها في الفتوى رقم: 6777، كما ذكرنا فيها أيضا الضوابط المجيزة لاستخدام جثة الميت المسلم في التشريح فليرجع إليها.
والله أعلم.