الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما لبسها باعتقاد أنها تنفع الزوجين، وتقرن بينهما، فلا يفترقا، أو تديم المحبة بينهما، ونحو ذلك، فهذا محرم، وليس بمكروه فقط.
وأما لبسها بغير اعتقاد، وإنما اتباعا للعادة الجارية في بعض البلاد؛ فهذا محل نظر وخلاف بين المعاصرين، فمنهم من أجراها على أصل الإباحة، ومنهم من نهى عنها، أو كرهها باعتبار أن هذه العادة مأخوذة من غير المسلمين، فلا نتشبه بهم ولا نقلدهم.
قال الشيخ الألباني في «آداب الزفاف»: هذه العادة سرت إليهم من النصارى ... يرجع ذلك إلى عادة قديمة لهم عندما كان العروس يضع الخاتم على رأس إبهام العروس اليسرى ويقول: باسم الأب. ثم ينقله واضعا له على رأس السبابة ويقول: وباسم الابن. ثم يضعه على رأس الوسطى ويقول: وباسم الروح القدس، وعندما يقول: آمين، يضعه أخيرا حيث يستقر. وقد وجه سؤال إلى مجلة "المرأة" التي تصدر في لندن في عدد 19 آذار 1960 ص 8. وأجابت عنه "أنجيلا تلبوت" محررة قسم الأسئلة. والسؤال هو: "لماذا يوضع خاتم الزواج في بنصر اليد اليسرى؟ " والجواب: يقال: إنه يوجد عرق في هذه الإصبع يتصل مباشرة بالقلب. وهناك أيضا الأصل القديم عندما كان يضع العروس الخاتم على رأس إبهام العروسة اليسرى ويقول: باسم الأب فعلى رأس السبابة ويقول: باسم الابن فعلى رأس الوسطى ويقول: وباسم روح القدس وأخيرا يضعه في البنصر – حيث يستقر – ويقول: "أمين". اهـ.
وقال الشيخ عطية صقر في كتابه (موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام 1 / 307 : 309): لخاتم الخطوبة أو الزواج قصة ترجع إلى آلاف السنين، فقد قيل: إن أول من ابتدعها الفراعنة، فقد اعتادوا صنع دائرة، أو حلقة صغيرة يلبسها كل من العروسين في أصبعه كرمز أبدي للحياة والحب والسعادة، ثم ظهرت عند الإغريق كما أثبتته دراسة هندية. وقيل: إن أصله مأخوذ من عادة قديمة، هي أنه عند خطبة الفتى للفتاة توضع يدها في يده، ويضمهما قيد حديدي عند خروجها من بيت أبيها، ثم يركب هو جواده وهي سائرة خلفه ماشية مع هذا الرباط حتى يصلا إلى بيت الزوجية، وكثيرا ما تكون المسافة بين البيتين بضعة أميال. ثم أصبحت عادة الخاتم تقليدا مرعيا في العالم كله، بغض النظر عن الجنسيات والأديان ... وترجع عادة لبسها في بنصر اليسرى إلى أن الإغريق كانوا يعتقدون أن عرق القلب يمر في هذا الإصبع، وأكثر الشعوب تمسكا بوضعها في اليد اليسرى هم الإنجليز، وذلك بعد أن أشار كتاب الصلاة الإنجليزي الصادر في عام 1549 م إلى أنه على العروسين أن يضعا خاتم الزواج في اليد اليسرى ... . وقيل: أن خاتم الخطوبة تقليد نصراني - ونقل ما سبق ذكره عن الشيخ الألباني ثم قال : - هذه المعلومات قصدت بها بيان أفكار الناس وعقائدهم وعاداتهم، ولم أقصد تأييدها، أو الدعوة إليها، فما أغنانا عنها. ولكن الذي أريد توجيه الأنظار إليه أن المسلمين أخذوا عادة وضع الخاتم عند الخطبة من غيرهم، وحرصوا على أن يلبسها الطرفان، ويتوهم أحدهم أن الطرف الآخر إذا خلعه أو غيَّر وضعه كان ذلك أمارة على الكراهية، أو على العزم على فسخ الخطبة، وهذا كله لا يقره الدين، ولا ينبغي أن تبنى حقائق على أوهام. اهـ.
وذكر الشيخ ذلك في إحدى فتاوى دار الإفتاء المصرية، وزاد فيها: المهم أن نعرف حكم لبسها. أما اللبس في حد ذاته فليس محرما حيث لم يرد نص في التحريم، ولم يقصد التشبه بالكفار، فالتشبه ممنوع، وبخاصة إذا كان في معنى ديني لا يرضاه الإسلام. اهـ.
وسئل الشيخ ابن باز في فتاوى نور على الدرب عن دبلة الخطوبة؟ فأجاب: لا أعلم لها أصلاً، فإن كانت من عمل الكفار فينبغي تركها، وإن كانت ليست من عمل الكفار، بل اعتادها الناس، فالأمر فيها واسع وسهل، لكن تركها أفضل بكل حال. اهـ.
وأجاب في موضع آخر بقوله: ما أعلم لهذا أصلاً، وإذا كان في بلد اعتادوه، فلا أعلم به بأسًا، أما أن ينشئه جديدًا ويسنّه للناس فلا أصل له، لكن إذا وجد في بلد واعتادوه، فلا أعلم به بأسًا، وإلا فالأصل ترك ذلك، لئلا يتشبه بأعداء الله إذا كان من أخلاق أعداء الله، أما إذا كان المسلمون فعلوه واعتادوه في أي بلد، في أي قرية، زالت المشابهة. اهـ.
وقال الشيخ ابن عثيمين في «فتاوى نور على الدرب» الدبلة لباسها على قسمين:
القسم الأول: أن يكون مصحوبا بعقيدة، مثل أن يعتقد كل من الزوجين أن بقاء الدبلة في أصبعه سبب لدوام الزوجية بينهما، ومن هنا تجد الرجل يكتب اسم زوجته في الدبلة التي يلبسها، والمرأة تكتب اسم زوجها في الدبلة التي تلبسها. وهذا القسم لا شك أنه حرام ولا يجوز؛ لأنه نوع من التولة، وهي نوع من الشرك الأصغر، وذلك أن هذا الزوج أو الزوجة اعتقدا في أمر من الأمور أنه سبب بدون دليل شرعي ولا واقع حسي، وكل من أثبت سبباً من الأسباب بدون دليل شرعي ولا واقع حسي فقد فعل شركاً أصغر لأنه جعل ما لم يجعله الله سببًا سببًا.
أما القسم الثاني: كأن يلبس الدبلة للإشعار بأنه خاطب، أو بأنها مخطوبة، أو بأنه قد دخل بزوجته، وقد دخل بها زوجها، وهذا عندي محل توقف؛ لأن بعض أهل العلم قال: إن هذه العادة مأخوذة عن النصارى، وأن أصلها من شعارهم، ولا شك أن الاحتياط للمرء المسلم البعد عنها .. اهـ. وانظري الفتويين: 135058، 5080.
والله أعلم.