الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الإحرام من الميقات أو من محاذاته واجب من واجبات الحج ولا يجوز لمن أراد دخول مكة لنسك حج أو عمرة تجاوز الميقات بغير إحرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المواقيت كما في حديث ابن عباس في الصحيحين وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد حجاً أو عمرة.
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه تجاوز الميقات من غير إحرام كما ذكره البهوتي في كشاف القناع.
وبناء على هذا فإنه يتعين عليكم الاحتياط والإحرام قبل الميقات، بأن تحرموا في الطائرة بعد إقلاعها من القاهرة، فإن تجاوزتم الميقات ولم تحرموا فإنه يتعين الرجوع إلى الميقات حتى تحرموا منه وإلا لزمكم دم.
وإذا أردتم دخول مكة بنية الخروج منها إلى المدينة فإنه يتعين عليكم الإحرام بالعمرة وإذا أردتم الرجوع من المدينة إلى مكة فأنووا ما شئتم من حج أو عمرة أو حج وعمرة معاً.
واختلف العلماء هل يسقط سفركم إلى المدينة دم التمتع عنكم أم لا فذهب الحنابلة والشافعية إلى أنه يسقط الدم عمن سافر مسافة قصر خارج مكة ثم رجع إليها حاجاً وذهب الحنفية والمالكية إلى أنه لا يسقطه إلا إذا رجع إلى أهله، واعلم أن الأرفق بكم في هذه الحالة أن تذهبوا إلى المدينة ثم تحرموا بالعمرة من ميقات المدينة وتحلوا بعد انتهاء العمرة ثم تحرموا بالحج من مكة يوم التروية وتكونوا بذلك قد حججتم متمتعين ويلزمكم دم التمتع فإن عجزتم عنه فإن عليكم صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة عند الرجوع لقول الله تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].
وأما تأجيل طواف الوداع فإن أردتم به طواف الوداع بعد العمرة عند ذهابكم إلى المدينة، فجوابه أن طواف الوداع بالنسبة للعمرة ليس بواجب ولكنه مستحب فاحرصوا عليه ولا تؤجلوه للرجوع من المدينة وإن أردتم الطواف بعد الانتهاء من الحج فهو واجب وعليكم أن تؤجلوه حتى يحين وقت سفركم ليكون آخر عهدكم بمكة الطواف بالبيت كما يدل له حديث مسلم: لا ينفرن أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت.
واعلم أنه لا يمنع شراء شيء من مكة بعد الطواف إذا لم يكن يستغرق وقتاً كثيراً ولا يمنع التأخر قليلاً بسبب استعدادات السفر أو انتظار الرفقة.
وأما الطواف بالبيت أثناء إقامتكم بمكة فإنه مرغب في الإكثار منه إن لم تكن فيه مشقة أو زحام شديد ويدل لذلك حديث ابن ماجه: من طاف بالبيت وصلى ركعتين كان كعتق رقبة. صححه الألباني.
وأما المبيت بالمزدلفة فواجب وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بات بها وصلى الفجر ثم دعا عند المشعر الحرام حتى اسفر ثم انطلق إلى منى كما في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئاً ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفاً حتى اسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس، فإذا عرفت الهدي النبوي فيها فاعلم أن أهل العلم جوزوا الانطلاق منها بعد منتصف الليل وهذا مذهب الجمهور وجوزه المالكية بعد حط الرحل والصلاة، وراجع في حكم تكرار العمرة وفي الزيادة في التفصيل فيما سبق الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9205، 14548، 35759، 3036، 20316، 2790، 22923، 3398.
والله أعلم.