الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن ما ذكر في النصوص من أسنان الأضاحي هو من باب التحديد والتعيين، فقد اتفق العلماء على أنه لا يجزئ في الأضاحي ما دون السن المعتبرة شرعا -ولو كانت كبيرة الخلقة وفيرة اللحم-.
جاء في المجموع للنووي: وأجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني، ولا من الضأن إلا الجذع، وأنه يجزئ هذه المذكورات إلا ما حكاه العبدري وجماعة من أصحابنا عن الزهري أنه قال لا يجزئ الجذع من الضأن، وعن الأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن، وحكى صاحب البيان عن ابن عمر كالزهري وعن عطاء كالأوزاعي هكذا نقل هؤلاء. اهـ.
وجاء في المغني لابن قدامة: مسألة: قال: (ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، والثني من غيره) وبهذا قال مالك والليث والشافعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقال ابن عمر، والزهري: لا يجزئ الجذع؛ لأنه لا يجزئ من غير الضأن، فلا يجزئ منه كالحمل، وعن عطاء والأوزاعي يجزئ الجذع من جميع الأجناس؛ لما روى مجاشع بن سليم، قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني» رواه أبو داود، والنسائي.
ولنا على أن الجذع من الضأن يجزئ، حديث مجاشع وأبي هريرة وغيرهما، وعلى أن الجذعة من غيرها لا تجزئ، قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا تذبحوا إلا مسنة، فإن عسر عليكم، فاذبحوا الجذع من الضأن».
وقال أبو بردة بن نيار: «عندي جذعة، أحب إلي من شاتين، فهل تجزئ عني؟ قال: نعم، ولا تجزئ عن أحد بعدك» . متفق عليه. وحديثهم محمول على الجذع من الضأن لما ذكرنا. قال إبراهيم الحربي: إنما يجزئ الجذع من الضأن؛ لأنه ينزو فيلقح، فإذا كان من المعز لم يلقح حتى يكون ثنيا. اهـ.
وفي قصة أبي بردة بن نيار -رضي الله عنه- دلالة صريحة لا تحتمل التأويل على أن كثرة اللحم ووفرته لا تُجيز التضحيةَ بما لم يبلغ السن المعتبرة، ففي الصحيحين عن البراء بن عازب، قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر بعد الصلاة، فقال: من صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن نسك قبل الصلاة، فتلك شاة لحم، فقام أبو بردة بن نيار، فقال: يا رسول الله، والله لقد نسكت قبل أن أخرج إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب، فتعجلت، وأكلت، وأطعمت أهلي، وجيراني فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: تلك شاة لحم، قال: فإن عندي عناق جذعة هي خير من شاتي لحم، فهل تجزي عني؟ قال: نعم، ولن تجزي عن أحد بعدك.
فجذعة أبي بردة أسمن وأطيب لحما- من شاتين ، ومع ذلك قال له -صلى الله عليه وسلم-: ولن تجزي عن أحد بعدك، وجعلها -صلى الله عليه وسلم- رخصة خاصة به، لا تتعداه إلى غيره. فلو كان المعتبر هو اللحم لكانت شاة أبي بردة الصغيرة سنا مجزئة، بل ولكانت شاته الأولى التي ذبحها قبل الوقت المحدد شرعا كافية أيضا إذ لم يذكر فيها عيب يمنع إجزاءها، وقد صرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدم إجزائها، رغم أن أبا بردة لم يكن يعلم باشتراط الأضحية في الوقت أصلا. فالحديث دليل جلي على جانب التعبد في سن الأضحية، وفي وقتها، وأن المقصود منها ليس مجرد اللحم!
فكيف يقال بعد هذا كله: إن مقصد الشرع هو اللحم، فإذا تحقق في الأضحية جازت التضحية بها، ولو كانت دون السن المحددة في النصوص؟!
ولم نقف على مذهب من المذاهب المتبعة، أو على قول لأحد من العلماء السابقين قد صرح بجواز التضحية بما دون الجذع.
والذي نراه أنه لا مجال للاجتهاد في تغيير أسنان الأضاحي المنصوص عليها، سواء في الحالة التي شرحتها، أو في غيرها. والأضحية سنة مستحبة عند جماهير العلماء، وليست فريضة أصلا، كما تراه في الفتوى: 6216.
وهي عبادة مقيدة بشروط، ومتى عجز الإنسان عنها سقطت عنه، وأثيب على نيته في القيام بالأضحية لو قدر عليها، فلا حاجة إذاً إلى تقحم أسوار النصوص الشرعية الثابتة، وخرق اتفاق علماء الأمة.
وأما تنظيم نسل الماشية كما وصفت: فلا مانع منه شرعا، وإذا كان جمع من العلماء يجوزون خصاء البهائم للمصلحة -كما في الفتوى: 61745. فكيف بمجرد تنظيم نسلها لمصلحة؟
والله أعلم.