الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما بنى عليه السائل موقفه، إنما هو ظن فهمه من كلام صاحبه، وأنه لا يريد منه أجرة، وفي مقابل ذلك فقد قال السائل لصاحبه: "أنت لازم تأخذ مني إيجار". وإذا كان الأمر كذلك، واختلف هو وصاحبه، فلا ريب في أن الأبرأ لذمته، والأسلم لمروءته أن يدفع الأجرة لصاحبه. ومع ذلك فله أن يطالب قبل الدفع بيمين صاحبه على أنه أسكنك معه على سبيل الإجارة لا مجانًا، فإن حلف فالذي يظهر لنا أنه يجب عليه دفع الأجرة، على خلاف بين أهل العلم في ذلك.
جاء في الموسوعة الفقهية: إذا اختلف المالك والمنتفع في كون العين عارية أو مستأجرة، فإن كان الاختلاف بعد مضي مدة لمثلها أجر، فقد صرح الحنفية والشافعية والحنابلة بأن القول قول المالك مع يمينه، لأن المنتفع يستفيد من المالك ملك الانتفاع، ولأن الظاهر يشهد له، فكان القول قول المالك في التعيين، لكن مع اليمين، دفعا للتهمة. اهـ.
وقال النووي في منهاج الطالبين: لو ركب دابة وقال لمالكها: أعرتنيها. فقال: بل أجرتكها. أو اختلف مالك الأرض وزارعها كذلك، فالمصدق المالك على المذهب. اهـ.
وعلل ذلك الرملي في نهاية المحتاج، فقال: إذ الغالب أنه لا يأذن في الانتفاع بملكه إلا بمقابل، فيحلف لكل يمينا تجمع نفيا وإثباتا أنه ما أعاره بل أجره، واستحق أجرة المثل. اهـ.
ثم ذكر وجها آخر في المذهب فقال: والوجه الثاني: يصدق الراكب والزارع؛ لأن المالك وافقهما على إباحة المنفعة لهما، والأصل براءة ذمتهما من الأجرة التي يدعيها. اهـ.
ولو أخذنا بالوجه الآخر من أن القول قول المنتفع، فإنه حينئذ يطالب هو الآخر باليمين، والسائل غير متيقن من مقصد صاحبه، كما يظهر من قوله: "ولكن الله أعلم بنيته". فكيف سيحلف على ذلك؟
والله أعلم.