الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلم نطلع على من نقل أن أم المؤمنين سيدتنا عائشة -رضي الله عنها- قد صرحت بعفوها ومسامحتها عن كل من تكلم في الإفك، لكن ما يقتضيه علمها، وحلمها، وديانتها، وصدِّيقيَّتُها وأمومتها للمؤمنين، هو الجزم بأنها - رضي الله عنها - قد عفت عن الصحابة منهم، وسامحتهم؛ لمكان صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه، ومدافعتهم عنه، وعن الإسلام، وقد دلت أخبار كثيرة على حسن معاملتها لمن آذاها، وإحسانها إليه، مما يؤكد أنه لم يعد في نفسها -رضي الله عنها- شيء من هذا الأمر، قال الذهبي في السير: وَعَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَبَبْتُ ابْنَ فُرَيْعَةَ -وهو حسان رضي الله عنه- عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أَخِي، أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَمَا كَفَفْتَ عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عُمَرُ بنُ حَوْشَبٍ: عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، سَمِعَهُ يَقُوْلُ: دَخَلَ حَسَّانٌ عَلَى عَائِشَةَ بَعْدَمَا عَمِيَ، فَوَضَعَتْ لَهُ وِسَادَةً، فَدَخَلَ أَخُوْهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ: أَجْلَسْتِيْهِ عَلَى وِسَادَةٍ، وَقَدْ قَالَ مَا قَالَ؟ - يُرِيْدُ: مَقَالَتَهُ نَوْبَةَ الإِفْكِ -. فَقَالَتْ: إِنَّهُ - تَعْنِي: أَنَّه كَانَ يُجِيْبُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَشْفِي صَدْرَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَقَدْ عَمِيَ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَلاَّ يُعَذَّبَ فِي الآخِرَة. انتهى.
ومديح حسان لعائشة -رضي الله عنهما- مشهور ذائع.
والله أعلم.