الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في البحث عن معاني القرآن الكريم، والاجتهاد في فهمه، بل هذا مما تحمد عليه.
وأما ما سألت عنه: فإن قوله تعالى: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا {يس:52}، لا ينافي أنهم كانوا يعذبون في قبورهم، فقد قيل إن العذاب يرفع عنهم بين النفختين، وقيل إنهم لما داهمهم من الهول الهائل، ظنوا أنهم كانوا نياما.
قال صاحب فتح البيان: (من بعثنا من مرقدنا) أي مضجعنا، ظنوا لاختلاط عقولهم بما شاهدوا من الهول، وما داخلهم من الفزع أنهم كانوا نياماً. قرئ: من بعثنا على الاستفهام، وبكسر الميم، على أنها حرف جر، وفي قراءة أبيّ: من أهبنا، من هب من نومه إذا انتبه، وقيل: إنهم يقولون ذلك إذا عاينوا جهنم.
وقال أبو صالح: إذا نفخ النفخة الأولى، رفع العذاب عن أهل القبور، وهجعوا هجعة إلى النفخة الثانية. وعن أبيّ بن كعب في الآية قال: "ينامون قبل البعث نومة"، وعن مجاهد: أنهم يستريحون من العذاب قبيل النفخة الثانية، ويذوقون طعم النوم. انتهى. فعليه، يكون قولهم: من مرقدنا، حقيقة؛ لأن المرقد حقيقة هو مكان النوم. وقيل: إن الله يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون. فإذا بعثوا في الثانية، عاينوا أهوال القيامة، ودعوا بالويل. انتهى.
وأما العين الحمئة التي رأى ذو القرنين الشمس تغرب فيها.
فقد قال في فتح البيان: (وجدها) أي رأى الشمس (تغرب في عين حمئة) أي كثيرة الحمأة، وهي الطينة السوداء، يقال: حمأت البئر حمأً بالتسكين، إذا نزعت حمأتها، وحمأت البئر حمأً بالتحريك، كثرت حمأتها. وقرئ: حامية، من الحمأة أي حارة، وقد يجمع بين القراءتين فيقال: كانت حارة، وذات حمئة.
ثم قال: قيل: ولعل ذا القرنين لما بلغ ساحل البحر المحيط، رآها كذلك في نظره؛ إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء. ولذلك قال: (وجدها تغرب) ولم يقل كانت تغرب، قاله البيضاوي، يعني على العادة من أن الشخص إذا كان في البحر، يرى الشمس كأنها تغرب فيه، قيل: وتسمية البحر المحيط عيناً، لا محذور فيه، خصوصاً وهو بالنسبة إلى ما هو أعظم منه في علم الله. انتهى.
والله أعلم.