الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمعنى هذه العبارة أن الله وحده هو الذي يحب لذاته؛ لما اتصف به من الصفات العلى، وتسمى به من الأسماء الحسنى، ولما أولاه عبده من النعم، فهو يحب لذاته، أي: لنفسه تبارك وتعالى، بخلاف محبة غيره، فإنها تابعة لمحبته سبحانه، فكل ما عدا الله يحب لغيره، وأما الله فهو الذي يحب لذاته، فكما أن الله هو الموجود بالذات، فكذا يجب أن يكون محبوبًا بالذات، وغيره تبارك وتعالى إنما أوجده الله سبحانه، فلا يمكن أن يحب لذاته، ومن أحب شيئًا لذاته سوى الله تعالى، فقد وقع في نوع من الشرك -عياذًا بالله-، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وليس في الوجود ما يستحق أن يحب لذاته من كل وجه إلا الله تعالى. وكل ما يحب سواه، فمحبته تبع لحبه؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يحب لأجل الله، ويطاع لأجل الله، ويتبع لأجل الله، كما قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}، وفي الحديث: {أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي}، وقال تعالى: {قل إن كان آباؤكم} إلى قوله: {أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين}، وفي حديث الترمذي، وغيره: {من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان}، وقال تعالى: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبًّا لله}. فالذين آمنوا أشد حبًّا لله من كل محب لمحبوبه.
وقال أيضًا -طيب الله ثراه-: بل لا يجوز أن يحب شيء من الموجودات لذاته إلا هو سبحانه وبحمده، فكل محبوب في العالم إنما يجوز أن يحب لغيره، لا لذاته، والرب تعالى هو الذي يجب أن يحب لنفسه، وهذا من معاني إلهيته، و{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، فإن محبة الشيء لذاته شرك، فلا يحب لذاته إلا الله، فإن ذلك من خصائص إلهيته، فلا يستحق ذلك إلا الله وحده، وكل محبوب سواه إن لم يحب لأجله، أو لما يحب لأجله، فمحبته فاسدة. والله تعالى خلق في النفوس حب الغذاء، وحب النساء؛ لما في ذلك من حفظ الأبدان، وبقاء الإنسان؛ فإنه لولا حب الغذاء لما أكل الناس، ففسدت أبدانهم، ولولا حب النساء لما تزوجوا، فانقطع النسل، والمقصود بوجود ذلك، بقاء كل منهم ليعبدوا الله وحده، ويكون هو المحبوب المعبود لذاته، الذي لا يستحق ذلك غيره، وإنما تحب الأنبياء والصالحون تبعًا لمحبته، فإن من تمام حبه حب ما يحبه، وهو يحب الأنبياء، والصالحين، ويحب الأعمال الصالحة، فحبها لله هو من تمام حبه، وأما الحب معه فهو حب المشركين الذين يحبون أندادهم كحب الله، فالمخلوق إذا أحب لله، كان حبه جاذبًا إلى حب الله، وإذا تحاب الرجلان في الله، اجتمعا على ذلك، وتفرقا عليه؛ كان كل منهما جاذبًا للآخر إلى حب الله، كما قال تعالى: {حقت محبتي للمتحابين فيّ، وحقت محبتي للمتجالسين فيّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيّ، وإن لله عبادًا ليسوا بأنبياء، ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء، والشهداء بقربهم من الله، وهم قوم تحابوا بروح الله على غير أموال يتباذلونها، ولا أرحام يتواصلون بها، إن لوجوههم لنورًا، وإنهم لعلى كراس من نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس}.
فإنك إذا أحببت الشخص لله، كان الله هو المحبوب لذاته، فكلما تصورته في قلبك، تصورت محبوب الحق، فأحببته، فازداد حبك لله، كما إذا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء قبله، والمرسلين، وأصحابهم الصالحين، وتصورتهم في قلبك، فإن ذلك يجذب قلبك إلى محبة الله المنعم عليهم، وبهم، إذا كنت تحبهم لله، فالمحبوب لله يجذب إلى محبة الله، والمحب لله إذا أحب شخصًا لله، فإن الله هو محبوبه، فهو يحب أن يجذبه إلى الله تعالى، وكل من المحب لله، والمحبوب لله، يجذب إلى الله. انتهى.
والله أعلم.