الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتوى رقم: 314695 أن الأصل وجوب العمل بالقول الراجح، وعدم العمل بالقول المرجوح، لمن علم أنه مرجوح، قال الشوكاني في إرشاد الفحول: وَمَنْ نَظَرَ فِي أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَتَابِعِيهِمْ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَجَدَهُمْ مُتَّفِقِينَ عَلَى الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ، وَتَرْكِ الْمَرْجُوحِ ... اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: حُكْمُ الْعَمَل بِالْمَرْجُوحِ.
قَال الزَّرْكَشِيُّ: إِذَا تَحَقَّقَ التَّرْجِيحُ وَجَبَ الْعَمَل بِالرَّاجِحِ، وَإِهْمَال الآْخَرِ، لإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَل بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُمْ مِنَ الأْخْبَارِ ... اهـ.
لكن إذا كان في العمل بالقول المرجوح دفع مضرة، أو حرج، أو تحقيق مصلحة معتبرة شرعًا، فقد ذكر أهل العلم جوازَ العمل به حينئذ، جاء في فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله تعالى-: إذا ثبتت الضرورة، جاز العمل بالقول المرجوح نظرًا للمصلحة، ولا يتخذ هذا عامًّا في كل قضية، بل الضرورة تقدر بقدرها، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا ... اهـ.
وقال أيضًا: المسأَلة الخلافية إِذا وقعت فيها الضرورة ... جاز للمفتي أَن يأْخذ بالقول الآخر من أَقوال أَهل العلم، الذي فيه الرخصة. اهـ.
وقال أيضًا: إذا كان قول مرجوح، وهو الأغلظ لسد باب الشر، فإنه تسوغ الفتوى به. اهـ.
وقال بعض أهل العلم أيضًا: إنه يجوز للمقلد أن يعمل بالمرجوح في حق نفسه، إذا لم يكن في العمل به جمع بين الحل والحرمة، جاء في حاشية عميرة: فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مُرَجِّحٌ، فَلِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَعْمَلَ بِأَيِّ الْقَوْلَيْنِ شَاءَ، وَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْمَرْجُوحِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، لَا فِي الْإِفْتَاءِ، وَالْقَضَاءِ، إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ مُتَنَاقِضَيْنِ، كَحِلٍّ وَحُرْمَةٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ. اهـ.
والله تعالى أعلم.