الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في أكثر من فتوى أن أهل العلم اختلفوا في المراد بالنمص في حديث: لعن الله النامصة والمتنمصة. وذكرنا أن منهم من قال: هو نتف شعر الوجه، ومنهم من قال: هو الأخذ من شعر الوجه بأي وسيلة بالنتف أو الحلق، ومنهم من قال: إن ذلك مختص بالحاجبين وهو ما فسر به كثير من أهل العلم الحديث الوارد فيه، قال أبو داود والبيهقي في سننهما: والنامصة التي تنقش الحاجب حتى ترقه، والمتنمصة المعمول بها.
ومن الأدلة على أنه خاص بالحاجبين ما ذكره الحافظ في الفتح بقوله: وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاق عَنْ اِمْرَأَته أَنَّهَا دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَة وَكَانَتْ شَابَّة يُعْجِبهَا الْجَمَال فَقَالَتْ : الْمَرْأَة تَحُفّ جَبِينهَا لِزَوْجِهَا فَقَالَتْ : أَمِيطِي عَنْك الْأَذَى مَا اِسْتَطَعْت. انتهى.
وعلى هذا، فالنمص المحرم خاص بالحاجبين دون غيرهما. وراجعي الفتوى رقم: 147061.
وأما احتمال كون حديث عائشة مع المرأة كان قبل حديث اللعن، فغير صحيح، لأن قول عائشة ـ رضي الله عنها ـ كان بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن أبا إسحاق كان من التابعين ـ قد ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان ـ رضي الله عنه ـ، وأن زوجته كانت شابة لما سألت عائشة ـ رضي الله عنها.
وأما حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فليس فيه أن أحدا قال له: (امرأتك تحف جبينها)، فالحديث قد رواه البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ والموتشمات وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ: وَمَا لِي أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ. أَمَا قَرَأْتِ {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ. قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا. فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتُهَا.
وننبه السائلة إلى أن شعر المرأة من حيث إزالته وعدم إزالته ينقسم إلى ثلاثة أقسام قد ذكرناها في الفتوى رقم: 36874. وأن كون بعض الأماكن من الجسم مأمورا بإزالة شعرها لا يلزم منه تحريم إزالة شعر ما سواه إلا ما حرمه الشرع وهو النمص.
والله أعلم.