الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالتوسل إلى الترقية، وزيادة فرص العمل بنحو هذه الطريقة لا يجوز، وهو من الغش، والخداع، والخيانة، وتضييع الأمانة. وراجع في ذلك الفتويين: 871، 180333. والضابط في ذلك أن لا ينسب إلى أحد جهد لم يقم به، فمن استقل بكتابة بحث، لم يجز أن يشارك غيره في نسبته إليه.
ومن شارك غيره نسب إليه ما شارك به دون زيادة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور. رواه البخاري ومسلم. قال النووي: قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ الْمُتَكَثِّر بِمَا لَيْسَ عِنْده، بِأَنْ يَظْهَر أَنَّ عِنْده مَا لَيْسَ عِنْده، يَتَكَثَّر بِذَلِكَ عِنْد النَّاس، وَيَتَزَيَّن بِالْبَاطِلِ، فَهُوَ مَذْمُوم، كَمَا يُذَمّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْ زُور. ... وَقِيلَ: هُوَ كَمَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ لِغَيْرِهِ، وَأَوْهَمَ أَنَّهُمَا لَهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْ يَلْبَس قَمِيصًا وَاحِدًا وَيَصِل بِكُمَّيْهِ، كُمَّيْنِ آخَرَيْنِ، فَيَظْهَر أَنَّ عَلَيْهِ قَمِيصَيْنِ. وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ قَوْلًا آخَر أَنَّ الْمُرَاد هُنَا بِالثَّوَبِ الْحَالَة، وَالْمَذْهَب، وَالْعَرَب تَكْنِي بِالثَّوْبِ عَنْ حَال لَابِسه، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَالْكَاذِبِ الْقَائِل مَا لَمْ يَكُنْ. اهـ.
والمسلم يتحرى الصدق في أقواله وأعماله؛ توصلا إلى رضوان الله تعالى، وجنته، ويبتعد عن الكذب؛ تجنيا لسخط الله وعقابه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا. وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا. رواه مسلم.
قال النووي: ( عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ) أَيْ اِلْزَمُوا الصِّدْقَ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْوَاقِعِ ( فَإِنَّ الصِّدْقَ ) أَيْ عَلَى وَجْهِ مُلَازَمَتِهِ وَمُدَاوَمَتِهِ ( يَهْدِي ) أَيْ صَاحِبَهُ ( إِلَى الْبِرِّ ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، أَصْلُهُ التَّوَسُّعُ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ , وَهُوَ اِسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرَاتِ مِنْ اِكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ، وَاجْتِنَابِ السَّيِّئَاتِ .. ( وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَفِعْلِهِ ( وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ ) أَيْ يُبَالِغُ وَيَجْتَهِدُ فِيهِ ( حَتَّى يُكْتَبَ ) ... قَالَ الْعُلَمَاءُ : فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ، وَعَلَى التَّحْذِيرِ مِنْ الْكَذِبِ، وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ، كَثُرَ مِنْهُ، فَيُعْرَفُ بِهِ. اهـ.
والله أعلم.