الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعورة المرأة أمام أبناء زوجها من امرأة أخرى كعورتها أمام سائر محارمها، ولبيان المسألة بجلاء نذكر أقوال الفقهاء فيها ثم الترجيح ووجه الترجيح . وفي المسألة ثلاثة أقوال مرتبة كما يلي :
القول الأول ـ قول المالكية والحنابلة في المذهب: إن عورة المرأة بالنسبة إلى رجل محرم لها هي غير الوجه والرأس واليدين والرجلين، فيحرم عليها كشف صدرها وثدييها ونحو ذلك عنده، ويحرم على محارمها كأبيها رؤية هذه الأعضاء منها وإن كان من غير شهوة وتلذذ. القول الثاني ـ قول الحنفية : إن عورة المرأة بالنسبة لمن هو محرم لها هي ما بين سرتها إلى ركبتها، وكذا ظهرها وبطنها، أي يحل لمن هو محرم لها النظر إلى ما عدا هذه الأعضاء منها عند أمن الفتنة وخلو نظره من الشهوة. القول الثالث ـ الشافعية : يرون جواز نظر الرجل إلى ما عدا ما بين السرة والركبة من محارمه من النساء من نسب أو رضاع أو مصاهرة صحيحة , وللشافعية قول آخر كالقول الأول وهو جواز النظر فقط إلى ما يظهر منها عادة في العمل داخل البيت، أي إلى الرأس والعنق واليد إلى المرفق والرجل إلى الركبة. اهـ بتصرف من الموسوعة الشاملة. وللمزيد في تقرير المذاهب في المسألة تنظر الفتوى رقم : 20445 .
والراجح من هذه الأقوال هو القول الأول، ويوضح البهوتي في (كشاف القناع عن متن الإقناع) ممزوجين بقوله: (وَ) لِرَجُلٍ أَيْضًا نَظَرُ وَجْهِ وَرَقَبَةِ وَيَدِ وَقَدَمِ وَرَأْسِ وَسَاقِ (ذَاتِ مَحَارِمِهِ) قَالَ الْقَاضِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُبَاحُ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ . وقد سبقت لنا فتوى بترجيح مذهب الحنابلة في هذه المسألة وهي برقم: 599.
ووجه ترجيح هذا القول من النقل ِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ [النور: 31] الْآيَةَ. والوجه فيه أن المقصود مواضع الزينة لا نفس الزينة لأنها في نفسها مباحة النظر، ومواضع الزينة ما يظهر من المرأة غالبا، ويوضحه تفسير ابن مسعـود للزينة الباطنة حيث قال: الزينـة زينتان : فالظاهـرة منهـا الثياب، وما خفي الخلخالان والقرطـان والسواران. رواه ابن جرير في التفسير والحاكم وصححه على شرط مسلم . ووجه ترجيحه من النظر: مشقة التحرز عن ستر الأطراف مع المحارم، كما قرره ابن قدامة إذ قال : وَلِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ هَذَا لَا يُمْكِنُ فأُبِيحَ كَالْوَجْهِ، وَمَا لَا يَظْهَرُ غَالِبًا لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَدْعُو إلَى نَظَرِهِ، وَلَا تُؤْمَنُ مَعَهُ الشَّهْوَةُ وَمُوَاقَعَةُ الْمَحْظُورِ، فَحُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَمَا تَحْتَ السُّرَّةِ . انتهى من ( المغني شرح مخصر الخرقي ).
وبناء عليه، فلا بأس بارتداء المرأة أمام محارمها الملابس التي تبدي شيئا مما يظهر منها غالبا كبعض الذراعين أو بعض الساقين مما يسمى بـ (ملابس النصف كمّ) على القول الراجح، بشرط أمن الفتنة، فإذا لم تؤمن الفتنة لزم ستر ما تندفع به الفتنة .
والله أعلم.