الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقوله تعالى: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ {المائدة:27}. معناه أن من اتقى الله في العمل المعين، فأتى به على وجهه مستوفيا لشروطه من الإيمان، والإخلاص، والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله يتقبله منه، وليس يلزم أن يكون متقيا في جميع أموره، بل من اتقى الله في العمل فأتى به على وجهه، تقبله الله تعالى، كما هو مذهب أهل السنة.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: تنازع الناس في قوله: إنما يتقبل الله من المتقين. فعلى قول الخوارج، والمعتزلة لا تقبل حسنة إلا ممن اتقاه مطلقا فلم يأت كبيرة، وعند المرجئة إنما يتقبل ممن اتقى الشرك، فجعلوا أهل الكبائر داخلين في اسم " المتقين "، وعند أهل السنة والجماعة يتقبل العمل ممن اتقى الله فيه، فعمله خالصا لله، موافقا لأمر الله، فمن اتقاه في عمل تقبله منه وإن كان عاصيا في غيره. ومن لم يتقه فيه، لم يتقبله منه وإن كان مطيعا في غيره. انتهى.
فالعمل الذي لا يتقبله الله هو ما أخل العبد بتقوى الله فيه، فلم يؤده على وجهه إخلاصا لله، ومتابعة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وليس يدري العبد أي عمله تقبله الله، وأيه لم يتقبله، ولكنه يرجو ويخاف، فيجتهد في توفية العمل حقه، ثم يرجو الله ويسأله القبول؛ فإن قبول العمل محض فضله، ويخاف من الرد والطرد، وأن يحبط عمله، أو أن تكون فيه آفة خفية توجب عدم قبوله، ولقبول العمل علامة يرجو بها العبد، وهي أن يثمر عمله هذا طاعات أخرى كما قال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة، الحسنة بعدها. والصالحون يجتهدون ما يجتهدون، ويرون ما يعملونه حقيرا في جنب حق الله تعالى عليهم، واحتقار العبد لعمله، وزرايته على نفسه من علامات قبول عمله.
قال ابن القيم رحمه الله: علامة قبول الْعَمَلِ احْتِقَارُهُ وَاسْتِقْلَالُهُ، وَصِغَرُهُ فِي قَلْبِكَ. حَتَّى إِنَّ الْعَارِفَ لَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عُقَيْبَ طَاعَتِهِ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلَاثًا. انتهى.
فنسأل الله تعالى أن يرزقنا علما نافعا، وعملا متقبلا.
والله أعلم.