الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولنا في الفتوى المشار إليها في السؤال: وفي هذه الحالة يتأكد على المتوضئ أن يمر يده على هذا العضو، لأن من عادة الكريمات، أو الأدهان أن تمنع مباشرة الماء للعضو ولو ذهب جرمها ـ لا يراد به الشعر، فإنه يجب مسحه على أية حال بإمرار اليد عليه، وإنما يراد بها بقية أعضاء الوضوء التي يجب غسلها، وذلك أن جمهور أهل العلم لم يوجبوا دلك أعضاء الوضوء المأمور بغسلها بإمرار اليد عليها، وإنما أوجبوا وصول الماء للعضو بأي سبيل كان، كصبِّ الماء عليه، أو الانغماس فيه، قال ابن قدامة في المغني: لا يجب عليه إمرار يده على جسده في الغسل، أو الوضوء، إذا تيقن أو غلب على ظنه وصول الماء إلى جميع جسده، وهو قول الحسن والنخعي والشعبي وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وقال مالك: إمرار يده إلى حيث تنال يده واجب ونحوه. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 35297.
وإذا عُرف أن الاعتبار عند الجمهور بوصول الماء، وكان على العضو دهن، أو نحوه مما ينزلق عليه الماء فلا يباشر الجلد، تأكد الدلك هنا للتيقن من مباشرة الماء للجلد، وهذا في حال إذا لم يبق للدهن جِرم، أما إذا بقي له جرم فلا يجدي إمرار اليد على العضو أثناء الغسل، بل يجب إزالة جرمه أولاً، وبهذا يظهر جواب قول السائل: فكيف إذا بقي أثره لا يضر؟ وكيف من عادة الكريمات أن تمنع مباشرة الماء للعضو ولو ذهب جرمها؟ فلا يجب إزالة الأثر إذا زال الجرم ويكفي أن يعامل بما تحصل به مباشرة الماء للعضو، وذلك بإمرار اليد عليه.
وأما السؤال عن الحائل، فمعناه واضح في هذه الفتوى المشار إليها، وهو: وجود ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الوضوء ـ ويدخل في هذا ما له جرم من الأدهان ونحوها، قال الجمل في حاشيته على شرح المنهج: يجب إزالة نحو شمع يمنع وصول الماء، ولا يضر لون صبغ ولا دهن لا جرم له. اهـ.
وقال البجيرمي في حاشيته على شرح الخطيب: ولا يضر لون صبغ وحناء ولا دهن لا جرم له. اهـ.
وجاء في الروض المربع: يشترط لوضوء وغسل إزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة. اهـ.
فقال ابن القاسم في حاشيته: أي وصول الماء إلى البشرة، من طين، أو عجين، أو شمع، أو دهن جامد، أو وسخ على أعضاء الوضوء، أو على بدن في غسل، ليحصل الإسباغ، وأما الحناء ونحوه فعرض ليس له جرم يمنع وصول الماء إلى العضو. اهـ.
وَالْجِرْمُ ـ بِالْكَسْرِ ـ الْجَسَدُ، وَالْجَمْعُ أَجْرَامٌ، كما في المصباح المنير ومختار الصحاح، ولذلك يسميه بعض الفقهاء: المتجسد، كما قال الحطاب في مواهب الجليل: قال ابن فرحون في شرح قول ابن الحاجب: ولا يمسح على الحناء ـ قال ابن هارون: يريد إذا كان متجسدا؛ وإلا فيجوز المسح على صبغه ـ انتهى كلام ابن هارون، قال ابن فرحون: وكذلك الطيب إذا لم يكن متجسدا مما ترش به رأسها، أو تجعله في شعرها، وما زال نساء الصحابة يجعلن الطيب في رءوسهن، وكان عليه الصلاة والسلام يُرى وبيص الطيب في مفرقه. اهـ.
والشيخ العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ لم يخالف في ما سبق، بل قد قرره ونص عليه فقال: قال الله في كتابه المبين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ـ والأمر بغسل هذه الأعضاء ومسح ما يمسح منها يستلزم إزالة ما يمنع وصول الماء إليها، لأنه إذا وجد ما يمنع وصول الماء إليها لم يمكن غسلها، وبناءً على ذلك نقول: إن الإنسان إذا استعمل الدهن في أعضاء طهارته، فإما أن يبقى الدهن جامداً له جرم، فحينئذ لا بد أن يزيل ذلك قبل أن يطهر أعضاءه، وإن بقي الدهن هكذا جرماً فإنه يمنع وصول الماء إلى البشرة، وحينئذ لا تصح الطهارة، أما إذا كان الدهن ليس له جرم، وإنما أثره باق على أعضاء الطهارة فإنه لا يضر، ولكن في هذه الحال يتأكد أن يمر الإنسان يده على العضو، لأن العادة أن الدهن يتمايز معه الماء فربما لا يصيب جميع العضو الذي يطهره، فالسائل إذاً نقول له: إن كان هذا الدهن أو الزيت الذي يكون على أعضاء طهارتك جامداً له جرم يمنع وصول الماء، فلا بد من إزالته قبل أن تتطهر، وإن لم يكن له جرم، فإنه لا حرج عليك أن تتطهر وإن لم تغسله بالصابون، لكن أمِرَّ يدك على العضو عند غسله، لئلا ينزلق الماء عنه. اهـ.
وأما ما أشار إليه السائل من الخلاف في التخفيف في مسألة تلبيد الشعر، فإننا لم نغفله، ولكن يبقى أننا نرجح خلافه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 149231، وفيها: الأحوط والأبرأ للذمة عدم استعمال الشباب لتلك المادة ـ الجل ـ أصلا ومن استعملها وجب عليه أن يزيلها عند الوضوء، هذا ما نراه صوابا، وإن كان بعض العلماء المعاصرين قد أخذ من تلبيد المحرم رأسه جواز مسح الرأس إذا كانت عليه مادة كصمغ، أو حناء ونحوه, قال الشيخ ابن عثيمين ... وذكرنا كلام الشيخ.
وراجع في التفريق بين ما يوضع لضرورة ويحصل بإزالته ضرر، وبين ما ليس كذلك، الفتوى رقم: 93289.
والله أعلم.