الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من طريق أبي الزبير، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة، فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه.
وأما السؤال عن كيفية معرفة جابر بذلك، واستبعاد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أخبر به !! فليس بسديد؛ لأن هذا إنما يستبعد لو كان إخباره صلى الله عليه وسلم لمجرد الحكاية، ولكن الصواب أن هذا كان من باب التشريع والتأديب، والتربية بالقدوة، وقد جعل الله تعالى أنبياءه من البشر، تجري عليهم أحكام الجبلة الإنسانية، وتعتريهم أحوالها، ليتسنى للناس كافة أن يقتدوا بهم.
قال ابن العربي في عارضة الأحوذي: هذا حديث غريب المعنى؛ لأن الذي جرى للنبي صلى الله عليه وسلم سر لم يعلمه إلا الله تعالى، ولكنه أذاعه عن نفسه تسلية للخلق وتعليما لهم، وقد كان آدميا ذا شهوة، لكنه معصوم عن الزلة، وما جرى في خاطره حين رأى المرأة لا يؤاخذ به شرعا ولا ينقص من منزلته، وذلك الذي وجد في نفسه من إعجاب المرأة هي جبلة الآدميين التي تحقق بها صفتها، ثم غلبها بالعصمة فانقطعت، وجاء إلى الزوجة ليقضي فيها حق الإعجاب والشهوة الآدمية بالاعتصام والعفة. اهـ.
ونقله المناوي في (فيض القدير 2/389) وارتضاه. وراجع الفتوى رقم: 53381.
وقال النووي في شرح مسلم: قال العلماء: إنما فعل هذا بيانا لهم، وإرشادا لما ينبغي لهم أن يفعلوه، فعلمهم بفعله وقوله. اهـ.
وقال ابن مفلح في (الآداب الشرعية): إنما أتى عليه السلام ما فعل؛ بيانا وإرشادا إلى ما ينبغي فعله، فعلم الناس بفعله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
ومن شواهد هذا الحديث ما رواه أبو كبشة الأنماري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء؟ قال: أجل، مرت بي فلانة، فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال.
قال الهيثمي في (المجمع): رواه أحمد و الطبراني، ورجال أحمد ثقات. اهـ. وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، وذكر له شاهدا من حديث ابن مسعود.
والله أعلم.