الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما ذكرته من منع الطبيب من أخذ عمولة من شركات الأدوية مقابل إحالة المرضى عليها مطلقا، هو ما استقرت عليه الفتوى عندنا في الموقع، وقد بينا العلة وهي أنه لو فتح هذا الباب لعم الفساد ولتنافست الشركات في اجتذاب الأطباء... والمتضرر من هذه المنافسة هو المريض أولاً وآخراً، فيتضرر بأن يوصف له دواء وغيره أفضل منه، ويتضرر كذلك بارتفاع ثمن الدواء، لأن ما يأخذه هؤلاء الأطباء يتحمله في النهاية المريض، ولو سلم طبيب من ذلك الغش وكان لا يصف الدواء إلا إذا كان أفضل من غيره ولمن يحتاجه فغيره لن يراعي ذلك، فيمنع الجميع سدا للذريعة، وأصل سد الذرائع الذي هو منع الأمر المباح في الأصل أو الظاهر لكونه يتوصل به إلى حرام أو يؤول إليه، إنما ينظر فيه إلى الغالب، فالله عز وجل منع سب آلهة المشركين لئلا يسبوا رب العالمين؛ وإن كان هذا قد يحصل من بعض ولا يحصل من غيره، قال تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ {الأنعام:108}.
وانظري الفتويين رقم: 22443، ورقم: 103221.
وأما ما اكتُسب من ذلك الفعل مع الجهل بحرمته فلا حرج على مكتسبه في الانتفاع به أو بما استهلكه فيه من ثياب أو غيرها على الراجح؛ لقوله تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}.
وانظري الفتوى رقم: 137729.
لكن من شروط تمام التوبة الإقلاع عن المعصية والندم عليها.
وما اكتسبه الإنسان من ذلك عالما حرمته فإنه يتخلص من قدره في وجوه البر ومصالح المسلمين، ولا يلزمه أن يبيع أو يتخلص من الأشياء التي اشتراها بذلك المال كالملابس وغيرها، بل ينظر في قدر المال الحرام ويخرج مثله في وجوه البر ولا حرج أن ينتفع بتلك الأشياء، وكهذا يفعل في كل مال حرام لكسبه كالرشوة والفوائد الربوية ونحو ذلك.
والله أعلم.