الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يحرم شيء لمجرد أن الكفار أو الفجار يفعلونه، فإن التشبه المنهي عنه إنما يكون بفعل ما اختصوا به في دينهم أو عاداتهم. فهذا هو ضابط التشبه المذموم شرعا. فإذا اختص الكفار أو الفجار بشيء بحيث يظن من رآه أن صاحبه منهم، فهذا هو المحظور. أما ما انتشر بين الناس ولا يتميز به الكفار عن غيرهم فإنه لا يدخل في النهي؛ ولو كان أصله مأخوذا من الكفار. وقد سبق لنا التنبيه على ذلك في الفتويين: 12438، 21112. ومن ذلك لبس ربطة العنق والبدلة ونحوها مما انتشر بين المسلمين استعماله ولم يعد يميز غيرهم، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 579، 8672، 16909.
وأما استعمال الكهرباء وغيرها من المخترعات الحديثة كوسائل المواصلات، وأنظمة الاتصال، فلا يدخل في هذا الباب أصلا، وإلصاقها به من الجمود المذموم، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بالحيلة الفارسية في حفر الخندق يوم الأحزاب، دون نظر إلى من بدأها، والحكمة ضالة المؤمن فحيثما وجدها فهو أولى الناس بها.
قال شكيب أرسلان في كتابه (لماذا تأخر المسلمون): أضاع الإسلام جاحد وجامد، أما الجاحد فهو الذي يأبى إلا أن يفرنج المسلمين، ويخرجهم عن ذاتيتهم ومقوماتهم، ويحملهم على التنكر لماضيهم، وأما الجامد فهو الذي يضع السدود المنيعة في وجه الرقي الحضاري الذي يقوي شوكة المسلمين، ولا يمس عقيدتهم، ولا شريعتهم. اهـ.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين في (لقاء الباب المفتوح): التشبه بالكفار سمة في هذا الزمن, انتشرت الوسائل من سيارات وكهرباء وغيرها, فهل من حد في التشبه بالكفار نقول: فعل هذا تشبه، وفعل هذا ليس تشبهاً؟ فأجاب ـ رحمه الله ـ : التشبه بالكفار هو أن الإنسان يتزيا بزيهم في اللباس, أو في الكلام, أو ما أشبه ذلك, بحيث إذا رآه الرائي يقول: هذا من الكفار, أما ما يشترك فيه المسلمون والكفار فهذا ليس تشبهاً, مثل: الآن لبس البنطلون للرجال لا نقول هذا تشبه؛ لأنه صار عادة للجميع. وأما مسألة السيارات وغيرها فهذه ما فيها تشبه إطلاقاً. اهـ.
والله أعلم.