الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت النفقة التي دفعها الأب لأبنائه فيها فضل عن كفايتهم جاز للأم الأخذ منها ما دامت محتاجة لأنها تستحق النفقة من مال ولدها إذا كان موسرا، جاء في شرح الخرشي المالكي : واحترز بقوله لأجلها عما لو كان هناك سبب غيرها كما إذا كان الولد موسرا وهو محضون لأمه الفقيرة فلها أجرة الحضانة لأنها تستحق النفقة في ماله انتهى.
أما إن كانت نفقة الابن بقدر كفايته فقط ويترتب على الأخذ منها ضياعه أو إلحاق ضرر به فهو المقدم فيها وليس لها أن تأخذ منها ما يضر به؛ لكن لها أجرة الحضانة على من تجب عليه نفقة المحضون. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ الْحَاضِنَةَ لَهَا الْحَقُّ فِي طَلَبِ أُجْرَةٍ عَلَى الْحَضَانَةِ , سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْحَاضِنَةُ أُمًّا أَمْ غَيْرَهَا , لِأَنَّ الْحَضَانَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْأُمِّ , وَلَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْحَضَانَةِ لَمْ تُجْبَرْ عَلَيْهَا فِي الْجُمْلَةِ . وَمُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ تَكُونُ فِي مَالِ الْمَحْضُونِ . فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , لِأَنَّهَا مِنْ أَسْبَابِ , الْكِفَايَةِ كَالنَّفَقَةِ . وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْحَضَانَةِ لِلْأُمِّ هِيَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ , قَالَ الْحَنَابِلَةُ : وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعَةٍ بِالْحَضَانَةِ , لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَيَّدُوا ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ تُوجَدْ مُتَبَرِّعَةٌ , وَلَا مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ , فَإِنْ وُجِدَتْ مُتَبَرِّعَةٌ أَوْ وُجِدَتْ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ سَقَطَتْ حَضَانَةُ الْأُمِّ وَقِيلَ : إنَّ حَضَانَةَ الْأُمِّ لَا تَسْقُطُ وَتَكُونُ أَحَقَّ بِالْحَضَانَةِ إذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ , وَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ , وَهَذَا عَلَى مَا بَحَثَهُ أَبُو زُرْعَةَ . وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْحَاضِنَةُ أُمًّا فِي عِصْمَةِ أَبِي الْمَحْضُونِ أَوْ مُعْتَدَّةً رَجْعِيَّةً مِنْهُ فَلَا تَسْتَحِقُّ أُجْرَةً عَلَى الْحَضَانَةِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهَا دِيَانَةً , لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى الرِّشْوَةِ , وَهُوَ رِوَايَةٌ أَيْضًا فِي الْمُعْتَدَّةِ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ . وَإِنْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ غَيْرَ الْأُمِّ أَوْ كَانَتْ أُمًّا مُطَلَّقَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا , أَوْ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ الْبَائِنِ فِي رِوَايَةٍ , فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ , وَإِلَّا فَمِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ , وَهَذَا مَا لَمْ تُوجَدْ مُتَبَرِّعَةٌ , فَإِنْ وُجِدَتْ مُتَبَرِّعَةٌ بِالْحَضَانَةِ , فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْرَمٍ لِلْمَحْضُونِ فَإِنَّ الْأُمَّ تُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَلَوْ طَلَبَتْ أَجْرًا , وَيَكُونُ لَهَا أَجْرُ الْمِثْلِ , وَإِنْ كَانَتْ الْمُتَبَرِّعَةُ مَحْرَمًا لِلْمَحْضُونِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْأُمِّ : إمَّا أَنْ تُمْسِكِيهِ مَجَّانًا وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعِيهِ لِلْمُتَبَرِّعَةِ , لَكِنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِقَيْدَيْنِ : أ - إعْسَارُ الْأَبِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَمْ لَا . ب - يَسَارُ الْأَبِ مَعَ وُجُودِ مَالٍ لِلصَّغِيرِ صَوْنًا لِمَالِ الصَّغِيرِ , لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ . فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا وَلَا مَالَ لِلصَّغِيرِ فَتُقَدَّمُ الْأُمُّ وَإِنْ طَلَبَتْ الْأُجْرَةَ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ.
والله أعلم