الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده يبعثون السعاة إلى الآفاق لقبض الزكاة، فيقوم الساعي بإحصاء الزكاة على من وجبت عليه وقبضها وفق ضوابط معينة وضعها النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيها إجحاف برب المال ولا هضم لحق الفقير، من مثل قوله صلوات الله عليه لمعاذ: إياك وكرائم أموالهم. ثم يقوم السعاة بتفريق الزكاة بعد قبضها على فقراء ذلك البلد الذي وجبت فيه، فإن فضل بعد ذلك شيء حمل إلى الإمام ليرى فيه رأيه ويصرفه في مصرفه الأولى به.
جاء في الموسوعة الفقهية: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتان بعده يأخذون الزكاة من كل الأموال، إلى أن فوض عثمان رضي الله عنه في خلافته أداء الزكاة عن الأموال الباطنة إلى ملاكها، ودليل ذلك قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها. وقول أبي بكر رضي الله عنه: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. واتفق الصحابة على ذلك. ويجب على الإمام أخذ الزكاة ممن وجبت عليهم، فقد صرح الشافعية بأنه يجب على الإمام بعث السعاة لأخذ الصدقات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده كانوا يبعثون السعاة، ولأن في الناس من يملك المال ولا يعرف ما يجب عليه، ومنهم من يبخل. والوجوب هو أحد قولي المالكية، واحتجوا بقوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة } . والذين رخصوا للإمام في عدم أخذ الزكاة من جميع الأموال أو من بعضها دون بعض، إنما هو إذا علم الإمام أنهم إذا لم يأخذها منهم أخرجوها من عند أنفسهم، أما لو علم أن إنسانا من الناس أو جماعة منهم لا يخرجون الزكاة فيجب على الإمام أخذها منهم ولو قهرا. انتهى.
وفي المغني لابن قدامة : ولما بعث معاذ الصدقة من اليمن الى عمر أنكر عليه ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية؛ ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد في فقرائهم. فقال معاذ : أنا ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني. رواه أبو عبيد في الأموال. وروي أيضا عن ابراهيم بن عطاء مولى عمران بن حصين أن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران على الصدقة فلما رجع قال : أين المال ؟ قال : أللمال بعثتني ؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
والله أعلم.