الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاكتحال يشرع للزينة والتداوي، فإذا وضعته المرأة في عينيها فهل يجوز لها أن تخرج به إلى الناس ؟ اختلف أهل العلم في ذلك تبعاً لاختلافهم في كونه من الزينة الظاهرة التي يجوز إبداؤها، أو من الزينة الباطنة التي يجب سترها عن الأجانب.
فذهب بعض أهل العلم إلى أن الكحل من الزينة الظاهرة التي يجوز للمرأة أن تبديها للناس، لما رواه الطبراني عن ابن عباس في قوله تعالى: ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) قال: (هي الكحل والخاتم).
وقال آخرون: إن الكحل من الزينة التي يجب سترها، لأنه مما تحسن به المرأة وجهها وتجمله. ولذلك قال ابن عطية: (ويظهر لي بأن المرأة مأمورة بأن لا تبدي، وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، وواقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه، أو إصلاح شأن ونحوه. فـ(ما ظهر) على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه) اهـ
ولا شك أن وضع الكحل في العينين والخروج به ليس مما تضطر المرأة لإظهاره .
وعليه، فخروجها به على هذا النحو مما يزيد في حسنها، ويلفت النظر إليها، ولذلك نهيت المرأة الحادة عن وضع الكحل لأنه من الزينة، مع أنها قاعدة في بيتها لا تبرحه، فالمرأة التي تتعرض لنظر الأجانب تمتنع منه من باب أولى.
وإذا سترته المرأة بالنظارات الشمسية زال الحرج، فالأصل أن النظارات جائزة الاستعمال إذا خلا ذلك من الإسراف، ولم يكن القصد من لبسها لفت أنظار الرجال.
وأما التشقير فإن كان المعني به صبغ الحاجبين فإن حكمه الجواز، ما لم يكن فيه تدليس على الخاطب أو تشبه بالفاسقات، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 15540، والفتوى رقم: 20494، والفتوى رقم: 32189 والفتوى رقم: 41754
وأما إن عني به إزالة بعض شعر الحاجبين فهذا هو النمص المحرم، وهو إزالة الشعر بالمنماص (وهو المنقاش)، وقد ألحق أكثر العلماء به مطلق الإزالة والتحسين بأي مزيل، سواء كان إزالة بالمنقاش أو نتفاً أو غير ذلك، لما فيه من تغيير خلق الله تعالى في كل الأحوال، وهو حرام لحديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى. رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
ويستثنى من هذا ما إذا كان الشعر الذي على الحاجبين كثيفاً بحيث يشوه الخلقة تشويهاً يلفت الانتباه أو يجلب سخرية الآخرين، ففي هذه الحالة يجوز الأخذ منه بالقدر الذي يزيل الضرر الحاصل بوجوده، كما يجوز الأخذ منه لضرورة العلاج وغيره، لأن الضرورات تبيح المحظورات.
وبهذا يعلم جواز إزالة ما كان مشوها للخلقة، وأما نمصه للتحسين فهو محرم. وعليك بالإقلاع عنه، والندم على ما فات منه، والعزم على عدم فعله في المستقبل، والإكثار من الاستغفار والتوبة ونوافل الطاعات. وراجعي الفتوى رقم: 20494، والفتوى رقم:22244.
والله أعلم .