الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فان حكم بيع الهر قد اختلف فيه أهل العلم فقال بالجواز جمهور العلماء منهم أهل المذاهب الأربعة، وذهب بعض أهل العلم إلى تحريمه وهم الظاهرية، وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة ومجاهد وجابر بن زيد، وحكاه المنذري عن طاووس. ولعله أقرب إلى الرجحان.
ويدل لرجحان المنع ما روى مسلم عن أبي الزبير قال: سألت جابراً عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وعند أبي داود عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور. وعند البيهقي عنه أيضاً: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الهرة وأكل ثمنها.
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى تضعيف هذه الأحاديث، ولكن قولهم مردود.كما قال البيهقي والنووي في المجموع و الشوكاني في النيل.
قال البيهقي في السنن : وقد حمله بعض أهل العلم على الهر إذا توحش فلم يقدر على تسليمه، ومنهم من زعم أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كان محكوماً بنجاسته، ثم حين صار محكوماً بطهارة سؤره حل ثمنه، وليس على واحد من هذين القولين دلالة بينة. انتهى.
وجزم ابن القيم بتحريم بيعه في زاد المعاد وقال: وكذلك أفتى أبو هريرة رضي الله عنه وهو مذهب طاووس ومجاهد وجابر بن زيد وجميع أهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد وهي اختيار أبي بكر وهو الصواب لصحة الحديث بذلك، وعدم ما يعارضه فوجب القول به. انتهى
وقال ابن المنذر: إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه فبيعه باطل وإلا فجائز. انتهى.
وقال النووي في المجموع : بيع الهرة الأهلية جائز بلا خلاف عندنا إلا ما حكاه البغوي في كتابه في شرح مختصر المزني عن ابن القاص أنه قال : لا يجوز , وهذا شاذ باطل مردود , والمشهور جوازه , وبه قال جماهير العلماء نقله القاضي عياض عن الجمهور , وقال ابن المنذر : أجمعت الأمة على أن اتخاذه جائز , ورخص في بيعه ابن عباس وابن سيرين والحكم وحماد ومالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي , قال : وكرهت طائفة بيعه , منهم أبو هريرة ومجاهد وطاووس وجابر بن زيد , قال ابن المنذر : إن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيعه فبيعه باطل , وإلا فجائز , وهذا كلام ابن المنذر واحتج من منعه بحديث أبي الزبير قال " سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال : { زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك } رواه مسلم . واحتج أصحابنا بأنه طاهر منتفع به , ووجد فيه جميع شروط البيع بالخيار فجاز بيعه كالحمار والبغل , والجواب عن الحديث من وجهين ( أحدهما ) جواب أبي العباس بن القاص وأبي سليمان الخطابي والقفال وغيرهم أن المراد الهرة الوحشية فلا يصح لعدم الانتفاع بها إلا على الوجه الضعيف القائل بجواز أكلها ( والثاني ) أن المراد نهي تنزيه , والمراد النهي على العادة بتسامح الناس فيه , ويتعاورونه في العادة , فهذان الجوابان هما المعتمدان ( وأما ) ما ذكره الخطابي وابن المنذر أن الحديث ضعيف فغلط منهما لأن الحديث في صحيح مسلم بإسناد صحيح , وقول ابن المنذر : إنه لم يروه غير أبي الزبير عن حماد بن سلمة فغلط أيضا . فقد رواه مسلم في صحيحه من رواية معقل بن عبيد الله عن أبي الزبير , فهذان ثقتان روياه عن أبي الزبير , وهو ثقة , والله أعلم . هـ
وقال البهوتي في كشاف القناع : ويجوز بيع هر لما في الصحيح { أن امرأة دخلت النار في هرة لها حبستها } والأصل في اللام الملك ولأنه حيوان يباح نفعه واقتناؤه مطلقا أشبه البغل ( وعنه لا يجوز بيعه اختاره في الهدي والفائق وصححه في القواعد الفقهية ) لحديث مسلم عن جابر أنه سئل عن السنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك . وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن السنور. رواه أبو داود ويمكن حمله على غير المملوك منها , أو ما لا نفع منها . اهـ
وقال الشوكاني في النيل: الذين حملوا النهي في الحديث على كراهة التنزيه وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق والمروءات، فقال: ولا يخفى أن هذا إخراج النهي عن معناه الحقيقي بلا مقتضِ اهـ
وراجع لمزيد الفائدة فتوانا رقم: 18327.
والله أعلم.