الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اختلف العلماء في القيح هل هو نجس أو لا؟ والمعتمد في المذاهب الأربعة نجاسته، قال ابن نجيم من الحنفية: وَأَشَارَ بِالْبَوْلِ إلَى أَنَّ كُلَّ ما يَخْرُجُ من بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِمَّا يُوجِبُ خُرُوجُهُ الْوُضُوءَ أو الْغُسْلَ فَهُوَ مُغَلَّظٌ كَالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ وَالْوَدْيِ وَالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ وَالْقَيْءِ إذَا مَلَأَ الْفَمَ، أَمَّا ما دُونَهُ فَطَاهِرٌ على الصحيح. انتهى.
وقال الخطيب الشربيني من الشافعية في عد النجاسات: والصفرة والكدرة ليستا بدم وهما نجسان ـ وقيح ـ لأنه دم مستحيل لا يخالطه دم وصديد: وهو ماء رقيق يخالطه دم، وماء قروح، ونفاطات إن تغيرت رائحته. انتهى.
وجاء في الشرح الكبير للدرديرمن المالكية: ومن النجس مني ومذي وودي ـ ولو من مباح الأكل ـ في الثلاثة للاستقذار والاستحالة إلى فساد، ولأن أصلها دم وقيح بفتح القاف مدة لا يخالطها دم وصديد وهو: ماء الجرح الرقيق المختلط بدم قبل أن تغلظ المدة، وقيل: بل ولو غلظت، ومثل ذلك في النجاسة ما يسيل من موضع حك البثرات وما يرشح من الجلد إذا كشط وما يسيل من نفط النار. انتهى.
وقال المرداوي في الإنصاف مبينا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وأنه يرى عدم نجاسة القيح والصديد على خلاف المعتمد في المذهب: اعلم أن الدم وما تولد منه ينقسم أقساما: دم الآدمي وما تولد منه من القيح والصديد ـ سواء كان منه أو من غيره ـ غير دم الحيض والنفاس وما خرج من السبيلين.
الثاني: دم الحيوان المأكول لحمه، وظاهر كلام المصنف العفو عنه، والصحيح من المذهب في هذين القسمين العفو عن يسيره وعليه جماهير الأصحاب، وعنه لا يعفى عنه فيهما، وقيل: لا يعفى عنه إلا إذا كان من دم نفسه وهو احتمال في التلخيص، وقال الشيخ تقي الدين: ولا يجب غسل الثوب والجسد من المدة والقيح والصديد ولم يقم دليل على نجاسته حكى جده عن بعض أهل العلم طهارته.
فإذا علمت هذا وعلمت أن مذهب الجماهيرهو نجاسة القيح، فاعلم أن هذا القيح إن كان يخرج من السبيل فهو ناقض للوضوء، وإن كان يخرج من غير السبيلين ففي نقضه للوضوء خلاف بين أهل العلم والراجح عدم انتقاض الوضوء به، فالمفتى به عندنا: أن خروج النجاسة من غير السبيلين لا ينقض الوضوء، وانظر الفتوى رقم: 1795، والواجب على هذا الشخص الذي يخرج منه القيح دائما إن كان خروجه من أحد السبيلين أن يتوضأ بعد دخول الوقت ويصلي بوضوئه ذاك الفرض وما شاء من النوافل وحكمه حكم دائم الحدث، إلا إن كان خروج هذا القيح ينقطع زمنا يتسع لفعل الطهارة والصلاة فعليه حينئذ أن يؤخر الصلاة لهذا الوقت فيتطهر ويتوضأ ويصلي، وقد بينا الضابط الذي تعرف به الإصابة بالسلس ونحوه في الفتوى رقم: 119395، وإن كان هذا القيح يخرج من غيرالسبيلين فعليه أن يجتهد في إزالة النجاسة قبل الدخول في الصلاة وما تعذرت إزالته فمعفو عنه، لأن اجتناب النجاسة شرط مع العلم والقدرة، كما بينا ذلك في الفتوى رقم: 111752.
وأما إمامته فصحيحة على الراجح، لأن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 18067، 117876، 127660، وما أحيل عليه فيها، والأحوط أن يجتنب الإمامة خروجا من خلاف من يقول من العلماء إنه لا يصح أن يكون إماما إلا بمثله، ومن يقول بكراهة إمامته.
والله أعلم.