الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالسمنُ لا يُذم بإطلاق، وإنما يُذمُ منه ما كان ناشئاً عن الانهماك في الدنيا، والتوسع في الملذات، والعكوف على الشهوات، وهي بهذا الاعتبار منهيٌ عنها، لأن النهي عن تعاطي أسبابها يستلزم النهي عنها، وقد ذم النبي صلى الله عليه وسلم من يأتون بعد القرون الفاضلة، ممن لا يكونُ لهم همٌ إلا تحصيل الشهوات العاجلة، فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن.
وأما ما كان من السمنُ بغير اكتساب العبد واختياره، كأن كان خلقة خلقه الله عليها، فليس هو مذموماً ولا منهيا عن ، لأنه ليس تحت مقدور العبد.
ولذلك قال السيوطي في شرحه على مسلم: ويظهر فيهم السمن أي كثرة اللحم أي يكثر ذلك فيهم استكسابا لا خلقة. انتهى.
وقال القاضي في المرقاة: قال التوربشتي: كنى به – أي بقوله ويظهر فيهم السمن - عن الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الدين، فإن الغالب على ذوي السمانة أن لا يهتموا بارتياض النفوس، بل معظم همتهم تناول الحظوظ والتفرغ للدعة والنوم. وفي شرح مسلم: قالوا والمذموم من السمن ما يستكسب، وأما ما هو خلقة فلا يدخل في هذا. انتهى.
والمطلوب من كل مسلم أن يحذر أسباب هذا السمن من الترف الزائد، والإسراف في تناول الشهوات.
قال الحافظ في الفتح: قوله: ويظهر فيهم السمن أي كثرة اللحم، ووجه كونه عيبا أنه يحصل من كثرة الأكل وليس من الصفات المحمودة. انتهى.
وقال أيضاً: وإنما كان مذموما لأن السمين غالبا بليد الفهم ثقيل عن العبادة كما هو مشهور. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فالسِّمَن يظهر من كثرة الإِرفاه؛ لأن الذي لا يُترِفُ نفسه لا يسمن غالباً، وهذا يدلُّ على أنَّ كثرة التَّرف، ليست من الأمور المحمودة. انتهى.
وأما سؤالك عن طريقة إنقاص الوزن على الطريقة النبوية، فاعلم أن أهم مقصد يعتني به المسلم، هو صلاح قلبه، وأن يقبل به على ربه عز وجل، وما أفضى إلى ذلك من الأسباب، فإن العبد يجتهد في الأخذ به، ومن ذلك التقلل من الدنيا، وأن يأخذ العبد منها ما يتبلغ به في سفره إلى الله والدار الآخرة.
ثم اعلم أيضاً أن صلاح الأبدان، واستقامة أمرها كائنٌ في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فمهما حرص العبد على ذلك حصل له الخير في دينه ودنياه، ومن ذلك ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتدال في المطعم والمشرب، فلا ينتقص الإنسان منه انتقاصاً يضر ببدنه، ولا يتوسع فيه توسعاً يفضي به إلى ألا يكون له همٌ إلا بطنه، وحظ نفسه من الشهوة ، فروى الترمذي وحسنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صلبَه، فإن كان لا محالة، فثُلثٌ لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفَسِه.
فهذا من أنفع شيء لصلاح البدن، وكونه على هيئة معتدلة، فعلى المسلم أن يجتهد في تطبيق هذه الوصية النبوية لما فيها من النفع، ثم عليه أن يحرص على النافع من الأغذية، فإنه هو الذي ينتفع به البدن.و
هذا فصلٌ نافع في معنى هذا الحديث نسوقه من كلام ابن القيم رحمه الله: فصل في هديه صلى الله عليه وسلم فى الاحتماء من التخم، والزيادة فى الأكل على قدر الحاجة، والقانون الذى ينبغي مراعاته في الأكل والشرب
في المسند وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإذا توسط في الغذاء، وتناول منه قدر الحاجة، وكان معتدلا في كميته وكيفيته، كان انتفاع البدن به أكثر من انتفاعه بالغذاء الكثير. ومراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبة الحاجة. والثانية: مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة. فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم: أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع، فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن. هذا إذا كان دائما أو أكثريا. وأما إذا كان في الأحيان، فلا بأس به، فقد شرب أبو هريرة بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم من اللبن حتى قال: والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكا، وأكل الصحابة بحضرته مرارا حتى شبعوا.
والشبع المفرط يضعف القوى والبدن، وإن أخصبه، وإنما يقوى البدن بحسب ما يقبل من الغذاء، لا بحسب كثرته. انتهى بتصرف.
ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات بموقعنا للتعرف على الكيفية المثلى للتخلص من السمن.
والله أعلم.