الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذه المسألة المسؤول عنها هي المعروفة عند العلماء بمسألة المال المستفاد ، والمال المستفاد إن كان نماء الأصل كربح التجارة، ونتاج السائمة فإنه يُضمُ إلى أصله، ويُزكى بزكاته. قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافاً.
وأما إن كان من غير نماء الأصل كزكاة ما يُدخر من الرواتب الشهرية ، والتي وقع السؤال عنها ، فهذا النوع من المال المستقاد قد وقع فيه الخلاف بين العلماء، فمذهب أبي حنيفة أن المال المستفاد يُضم إلى الأصل ، ولو كان من غير نمائه ، وعلى هذا القول فيجبُ على الموظف أن يحسب الوقت الذي بلغ فيه ماله نصابا ، فإذا حال الحول الهجري زكى جميع ما بيده حتى ما ادخره في أثناء الحول من راتبه وجوباً.
ومذهب الشافعي وأحمد أن المال المستفاد من غير نماء الأصل يُحسب له حول مستقل ، وعلى هذا القول ، فإذا بلغ المال نصاباً حسبَ الموظفُ حول هذا المال وزكاه على رأس الحول ، وما حصل له في أثناء الحول مما يدخره من راتبه فإنه يحسب له حولاً مستقلاً ، فإذا حال حول كل قسطٍ مما استفاده في أثناء الحول زكاه على حدةٍ ، ويجوز عند الشافعية والحنابلة أن يُزكي المال المستفاد مع الأصل إن شاء ذلك ، لأنه تعجيل للزكاة الواجبة في الحول، وهو جائزٌ عندهم.
وأما مذهب مالك رحمه الله ، فهو كمذهب الشافعي وأحمد في الأثمان ، وكمذهب أبي حنيفة في سائمة الأنعام، فتحصّلَ أن مذهبه في الرواتب المسؤول عنها كالقول الثاني وهو قول الشافعي وأحمد. وقول الجمهور هو الراجح عندنا لقوة أدلته. وانظر الفتوى رقم: 113638.
ونحنُ نسوق كلام ابن قدامة رحمه الله ، فقد بين مذاهب العلماء في المسألة وأدلتها قال رحمه الله: القسم الثالث: أن يستفيد مالا من جنس نصاب عنده ، قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل ، مثل أن يكون عنده أربعون من الغنم ، مضى عليها بعض الحول ، فيشتري أو يتهب مائة ، فهذا لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول أيضا وبهذا قال الشافعي، وقال أبو حنيفة يضمه إلى ما عنده في الحول ، فيزكيهما جميعا عند تمام حول المال الذي كان عنده ، إلا أن يكون عوضا عن مال مزكى؛ لأنه يضم إلى جنسه في النصاب ، فوجب ضمه إليه في الحول كالنتاج ، ولأنه إذا ضم في النصاب وهو سبب ، فضمه إليه في الحول الذي هو شرط أولى .
وبيان ذلك أنه لو كان عنده مائتا درهم ، مضى عليها نصف الحول ، فوهب له مائة أخرى ، فإن الزكاة تجب فيها إذا تم حولها ، بغير خلاف ، ولولا المائتان ما وجب فيها شيء ، فإذا ضمت إلى المائتين في أصل الوجوب فكذلك في وقته ، ولأن إفراده بالحول يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة ، واختلاف أوقات الواجب ، والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك ، ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ، ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ، ثم يتكرر ذلك في كل حول ووقت ، وهذا حرج مدفوع بقوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج. وقد اعتبر الشرع ذلك بإيجاب غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل ، وجعل الأوقاص في السائمة ، وضم الأرباح والنتاج إلى حول أصلها مقرونا بدفع هذه المفسدة ، فيدل على أنه علة لذلك ، فيجب تعدية الحكم إلى محل النزاع . وقال مالك كقوله في السائمة دفعا للتشقيص في الواجب ، وكقولنا في الأثمان؛ لعدم ذلك فيها . ولنا ، حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول. وروى الترمذي عن ابن عمر أنه قال: من استفاد مالا فلا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول . وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن الترمذي قال : الموقوف أصح ، وإنما رفعه عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم ، وهو ضعيف . وقد روي عن أبي بكر الصديق وعلي وابن عمر وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسالم والنخعي أنه لا زكاة في المستفاد حتى يحول عليه الحول ولأنه مملوك أصلا ، فيعتبر فيه الحول شرطا ، كالمستفاد من غير الجنس ، ولا تشبه هذه الأموال الزروع والثمار ، لأنها تتكامل ثمارها دفعة واحدة ، ولهذا لا تتكرر الزكاة فيها ، وهذه نماؤها بنقلها ، فاحتاجت إلى الحول.
والله أعلم.