الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد اتفق العلماء على استحباب رفع الصوت بالأذان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المؤذن يغفر له مد صوته، ويشهد له كل رطب ويابس. رواه الخمسة إلا الترمذي.
وعن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أن أبا سعيد الخدري قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا يشهد له يوم القيامة. قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه.
وإنما شرع رفع الصوت بالأذان لما فيه من إظهار شعار الإسلام وإعلاء كلمة التوحيد ودعوة الناس إلى الصلاة، وكل وسيلة يتحقق بها هذا المقصود وتحصل بها المبالغة في الإسماع فهي مشروعة مندوب إلى استعمالها لما فيها من تحقق مقصود الشرع المطهر، واستعمال مكبرات الصوت من هذا الباب، فإنها من أعظم نعم الله على عباده، وقد حصل بها خير كثير من تنبيه الناس وإعلامهم بحضور الصلاة ورفع شعار الإسلام وكلمة التوحيد.
وما زعمته من أن صوت المكبرات يزعج بعض الناس كلام فاسد، فإن القلوب الحية المؤمنة تفرح بذكر الله ولا تنزعج، ثم إن زمن النداء يسير فلا يكاد يحصل به إيذاء لمشتغل بشغلٍ، أو مريض أو نحوه كما يلبس بذلك بعض من قل دينه وخف يقينه ممن يريد ألا يظهر شعار الإسلام في بلاد المسلمين لا حقق الله لهم مطلباً.
ولو فرضنا أن صوت الأذان بالمكبر يزعج قليلاً من الناس فهذه مفسدة يسيرة جداً بجانب المصلحة الراجحة العظيمة الحاصلة من وراء استعمالها، فلا شك بعد هذا في مشروعية استعمالها، ولا نعلم أحداً من أهل العلم المعتبرين المشهود لهم بالصلاح والاستقامة على السنة أنكر هذه المكبرات، بل عامتهم في مختلف بلاد الإسلام يستحسنها ويقرها، والقول بأن استعمالها بدعة مع أن قائله مجهول لا نعلمه من أهل العلم فهو قول باطل مردود، لأن الفعل إنما يصدق عليه وصف البدعة إذا وجد المقتضي لفعله وانتفى المانع وتركه النبي صلى الله عليه وسلم، كما حرر ذلك شيخ الإسلام في الاقتضاء والشاطبي في الاعتصام، ولا شك أن المكبرات لا يتحقق فيها هذا الوصف، فيمتنع بعد هذا وصف استعمال المكبرات بأنه بدعة، ثم إن غالب من يردد هذه الدعاوي هم أذناب الغرب الذين يريدون لبلادنا أن تنسلخ من هويتها، ومن جملة ذلك أن يزول من أرجائها صوت الأذان الذي هو من أعظم شعائر الدين، وأكبر الروابط بين حاضرنا الأليم وماضينا المشرق.
والله أعلم.