السؤال
ما كيفية أداء فتاة بالغة للعمرة وقد جاءها الحيض عند وصولها مكة علما بأن فترة إقامتها بالأراضي السعودية محددة ولا تستطيع الانتظار إلى فترة انتهاء الحيض لظروف ترتبط بالسفر والطيران ؟
ما كيفية أداء فتاة بالغة للعمرة وقد جاءها الحيض عند وصولها مكة علما بأن فترة إقامتها بالأراضي السعودية محددة ولا تستطيع الانتظار إلى فترة انتهاء الحيض لظروف ترتبط بالسفر والطيران ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف الفقهاء في اشتراط الطهارة - بما فيها الطهارة من الحيض - لصحة الطواف، وذلك على قولين:
الأول: أنها شرط، وهو المشهور من مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، وعلى ذلك جمهور العلماء.
الثاني: أنها واجبة، ويصح الطواف بدونها، وتجبر بدم، وهو الراجح عند الحنفية، ورواية عند أحمد.
ومن أدلة الجمهور على اشتراط الطهارة لصحة الطواف قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها، لما حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفي بالبيت، حتى تطهري" رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: "حتى تغتسلي".
وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أن صفية بنت حيي رضي الله عنها حاضت: "أحابستنا هي؟ فقالوا: إنها قد أفاضت (طافت طواف الإفاضة)، فقال: "فلتنفر" رواه البخاري ومسلم، ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أُُخبر أن صفية حاضت، وظن أنها لم تطف طواف الإفاضة قال: "أحابستنا هي؟" فدل ذلك على أن المرأة إذا حاضت قبل أن تطوف للإفاضة عليها أن تبقى، وأن على من تحتاجه من محارمها أن ينتظروا، وأن يبقوا حتى تطهر وتطوف.
ولقول عبد الله بن عباس رضي الله عنه: الطواف صلاة، ولكن قد أذن لكم بالكلام، فمن نطق، فلا ينطق إلا بخير. رواه الترمذي وغيره، ورجح وقفه على ابن عباس - كما قال الحافظ ابن حجر -: النسائي، والبيهقي، وابن الصلاح، والمنذري، والنووي.
وما دام الطواف صلاة، فيشترط له الطهارة.
قال ابن تيمية رحمه الله: وأما الذي لا أعلم فيه نزاعاً أنه ليس لها أن تطوف مع الحيض، إذا كانت قادرة على الطواف مع الطهر، فما أعلم منازعاً أن ذاك يحرم عليها، وتأثم به.
وقال أيضاً: عندما سئل عن المرأة إذا جاءها الحيض في وقت الطواف ما الذي تصنع؟
(الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، فإنها تجتهد أن لا تطوف بالبيت إلا طاهرة، فإن عجزت عن ذلك، ولم يمكنها التخلف عن الركب حتى تطهر وتطوف، فإنها إذا طافت طواف الزيارة، وهي حائض أجزأها في أحد قولي العلماء، ثم قال أبو حنيفة وغيره: يجزئها لو لم يكن لها عذر، لكن أوجب عليها بدنة، وأما أحمد فأوجب على من ترك الطهارة ناسياً دماً، وهي شاة.
وأما هذه العاجزة عن الطواف وهي طاهرة، فإن أخرجت دماً، فهو أحوط، وإلا فلا يتبين أن عليها شيئاً، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" وهذه لا تستطيع إلا هذا.
والصلاة أعظم من الطواف، ولو عجز المصلي عن شرائطها: من الطهارة، أو ستر العورة، أو استقبال القبلة، صلى على حسب حاله، فالطواف أولى بذلك.
كما لو كانت مستحاضة، ولا يمكنها أن تطوف إلا مع النجاسة، نجاسة الدم، فإنها تصلي وتطوف على هذه الحالة باتفاق المسلمين إذا توضأت وتطهرت، وفعلت ما تقدر عليه.
وينبغي للحائض إذا طافت أن تغتسل، وتستثفر أي: تستحفظ، كما تفعله عند الإحرام) نقلا عن مجموع الفتاوى (26/244).
ومن هنا، فالذي رجحه جماعة من المحققين كابن تيمية وابن القيم، وجماعة من العلماء المعاصرين أن الحائض إذا لم يمكنها الانتظار في مكة حتى تطهر، ولم يمكن لمحرمها الانتظار معها، ولو بقت في مكة للانتظار ضيعت الرفقة، وربما لم تأمن على مالها ولا عرضها، فلها حينئذ أن تغتسل وتستثفر أي: تلبس (حفاظة) وتطوف بالبيت، ولا شيء عليها، حيث لا يكلف الله نفسها إلا وسعها، ومع ذلك لو استطاعت أخذ دواء لتعديل موعد الدورة، فلا شك أن ذلك حسن. والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني