السؤال
السؤال: لقد أديت العمرة في شهر رمضان المبارك ولقد نويت أن أؤدي العمرة عن والدي المتوفى بعد أن أنهي مناسك عمرتي.
وبعد سؤالي للمرشد قال بأنني يجب أن أرجع إلى أبيار علي للإحرام من ذلك الميقات مع العلم بأنني كنت في مكة المكرمة فقلت له بأنه -وحسب معلوماتي - بما أنني في مكة فالإحرام يكون من مسجد السيدة عائشة في مكة خارج حدود الحرم المكي وليس علي الرجوع إلى أبيار علي للإحرام, وعندها قال لي ولماذا تريد أداء العمرة عن والدك المتوفى فلم يرد عن السلف الصالح أداء العمرة عن أقاربهم المتوفين وأي عمل من أعمالك الصالحة يصل جزء منه إلى والدك المتوفى.
فلم أؤد العمرة سوى عن نفسي والسؤال عن الميقات فهل صحيح بأني يجب أن أرجع للإحرام إلى أبيار علي لأداء عمرة أخرى عن والدي وهل لم يرد عن السلف الصالح أداء العمرة عن أقاربهم المتوفين.
وفي حالة أني أريد أن أؤدي عمرة أخرى عن نفسي في نفس الرحلة فهل هذا جائز أيضا وهل الميقات يكون أيضا من مسجد السيدة عائشة أم يجب أن أرجع إلى أبيار علي للبدء في مناسك العمرة الثانية عن نفسي أو حتى عن والدي المتوفى.
أرجو إفادتي في كل نقطة ذكرتها في هذا السؤال لأني سأرجع رمضان المقبل إن شاء الله لأداء العمرة مرة ثانية ومن الممكن أن يتكرر معي هذا الشيء.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الذي يظهر من خلال سياق السؤال أنه يحتوي على ثلاثة أسئلة -1: هل ورد عن السلف أنهم اعتمروا عن أقاربهم الأموات؟-2: هل يجوز تكرار العمرة في نفس الرحلة الواحدة؟ -3: في حال ما إذا أراد الشخص أن يعتمر مرة أخرى بعد أن أدى عمرة أو أراد أن يعتمر عن والده المتوفى بعد أن أدى عمرة عن نفسه فهل لا بد أن يرجع إلى المكان الذي أحرم منه أو يجوز أن يحرم من أقرب حل من مكة وهو التنعيم؟
أما عن السؤال الأول فإن للفقهاء تفصيلا في حكم أداء العمرة عن الغير حيا كان أوميتا: ففي الموسوعة الفقهية : ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ عَنْ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ كَالْحَجِّ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ.. وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ : ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ عَنْ الْغَيْرِ بِأَمْرِهِ ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ , وَالنِّيَابَةُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْأَمْرِ , فَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَاعْتَمَرَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى أَنَّهُ تُكْرَهُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الْعُمْرَةِ وَإِنْ وَقَعَتْ صَحَّتْ . وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي أَدَاءِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْغَيْرِ إذَا كَانَ مَيِّتًا أَوْ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهَا بِنَفْسِهِ, فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ عُمْرَةٌ وَاجِبَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ اسْتِطَاعَتِهِ مِنْ فِعْلِهَا وَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى مَاتَ. وَجَبَ أَنْ تُؤَدَّى الْعُمْرَةُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ, وَلَوْ أَدَّاهَا عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ بِلَا إذْنٍ. وَتَجُوزُ النِّيَابَةُ فِي أَدَاءِ عُمْرَةِ التَّطَوُّعِ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهَا بِنَفْسِهِ, كَمَا فِي النِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْعُمْرَةُ عَنْ الْحَيِّ إلَّا بِإِذْنِهِ ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ, فَلَمْ تَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ, أَمَّا الْمَيِّتُ فَتَجُوزُ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ انتهى.
ومن الأدلة على جواز ذلك ما روى الترمذي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت ولم تحج أفأحج عنها؟ قال: نعم حجي عنها. قال: وهذا حديث صحيح. قال في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: قوله : نعم حجي عنها. فيه جواز الحج عن الميت. اهـ
وفي الترمذي أيضا عن أبي رزين العقيلي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن، قال: حُجَّ عن أبيك واعتمر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإنما ذكرت العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن يعتمر الرجل عن غيره. وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر. اهـ
ويدل لجواز العمرة عن الغير ما رواه أبو داود وابن ماجه وصححه ابن حبان من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة! قال: من شبرمة؟ قال أخ لي أو قريب لي، فقال: حججت عن نفسك ؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك ثم عن شبرمة. قال الترمذي: حسن صحيح . والعمرة والحج في ذلك سواء.
وقال ابن قدامة في المغني: ولا يجوز الحج والعمرة عن حي إلا بإذنه فرضا كان أو تطوعا لأنها عبادة تدخلها النيابة فلم تجز عن البالغ العاقل إلا بإذنه كالزكاة، فأما الميت فتجوز عنه بغير إذن واجبا كان أو تطوعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحج عن الميت، وقد علم أنه لا إذن له، وما جاز فرضه جاز نفله كالصدقة، فعلى هذا كل ما يفعله النائب عن المستنيب مما لم يؤمر به مثل أن يؤمر بحج فيعتمر أو بعمرة فيحج يقع عن الميت لأنه يصح عنه من غير إذنه، ولا يقع عن الحي لعدم إذنه فيه، ويقع عمن فعله لأنه لما تعذر وقوعه عن المنوي عنه وقع عن نفسه مُقَامَهُ كَالْفِدْيَةِ فِي بَابِ الصَّوْمِ .انتهى
وأما الجواب عن السؤال الثاني فقد تقدم في الفتويين: 3036، 20316، وللإجابة عن السؤال الثالث راجع الفتوى رقم: 32139 والفتوى رقم: 10014.
والله أعلم.