الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوبة مقبولة بشروطها

السؤال

كيف يتوب العبد من ذنبه؟ وما هي دلائل، أوعلامات قبول التوبة من الله؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه من المعلوم أن الله -جل وعلا- قد شرع لعباده التوبة والإنابة إليه، وحثهم عليها، ورغبهم فيها، ووعد التائب بالرحمة والغفران مهما بلغت ذنوبه.

فمن جملة ذلك قوله جل وعلا: قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ {الزمر:53، 54}. وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ {البقرة: 222}.

وقد تضافرت دلائل الكتاب والسنة على وجوب التوبة، ولزوم المبادرة إليها، وأجمع على ذلك أئمة الإسلام ـ رحمهم الله تعالى.

إذا علم ذلك، فإن التائب لا يكون تائبا حقا إلا إذا توفرت في توبته خمسة شروط:

الشرط الأول: الإخلاص وهو أن يقصد بتوبته وجه الله -عز وجل-.
الثاني: الإقلاع عن الذنب.
الثالث: الندم على فعله.
الرابع: العزم على عدم الرجوع إليه.
الخامس: أن تكون التوبة قبل أن يصل العبد إلى حال الغرغرة عند الموت.

قال النووي في شرح مسلم: وللتوبة شرط آخر وهو أن يتوب قبل الغرغرة، كما جاء في الحديث الصحيح، وأما في حالة الغرغرة، وهي حالة النزع، فلا تقبل التوبة. اهـ

فهذه الشروط فيما إذا كان الذنب بين العبد وربه، كشرب الخمر مثلاً. وأما إذا كان الذنب يدخل فيه حق العباد، فلا بد من إبراء الذمة من هذا الحق فإن كان مظلمة استحلها منه، أو حقا رده إليه، بالإضافة إلى الشروط الخمسة الآنفة الذكر.

إذا ثبت هذا فليعلم أن العبد إذا تاب، فينبغي أن يكون حاله بين رجاء قبول التوبة، ومخافة العقاب من الله تعالى، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ {المؤمنون: 60}.

وقد خرج الترمذي بإسناد ثابت أن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق -رضي الله عنهما- سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الآية فقالت: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون، ويتصدقون، وهم يخافون ألا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.

لكن لا ما نع أن يكون هنالك أمارات على صدق توبة العبد، يستأنس بها في ذلك.

فمن ذلك أن العبد التائب يجد حرقة في قلبه على ما فرط منه في جنب الله.

وأنه ينظر لنفسه بعين التقصير في حق الله الجليل.

وأنه يكون أشد تجافيا عن الذنب وعن أسبابه، نائيا بنفسه عن هذه الموارد.

ومن ذلك أنه يميل إلى الإقبال على ربه ومولاه، وأن يصاحب أهل الفضل والخير، ويقاطع أصدقاء السوء، ومن لا خير فيهم.

وأن ينظر إلى توفيق الله له بالتوبة على أنه نعمة عظيمة من أعظم النعم عليه، فيفرح بها، ويحافظ عليها، ويخاف زوالها، ويخشى عقوبة نكثها.

والله تعالى أعلى وأعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني