الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الأموال المكتسبة بطرق غير مشروعة بعد التوبة

السؤال

قمت بتداول مبلغ من المال الحلال في الذهب عبر منصة إكسنس، وهو نوع من التداول لا يتضمن امتلاك الذهب فعليًا CFD. بعد تحقيق بعض الأرباح، استخدمت تلك الأموال لشراء بعض الاحتياجات الأساسية؛ كالمسكن، والملابس، والسيارة، وأجهزة الكمبيوتر، وبعد ذلك ندمت على هذا الأمر، وتبت إلى الله. سؤالي هو: هل يجوز لي الاحتفاظ بهذه الممتلكات، خاصةً وأنني أخطط لاستخدام الكمبيوتر في مشروع حلال، وكسب المال منه؟ وهل يجوز لي استخدام جزء من المال الحرام الذي كسبته لتمويل بداية مشروع آخر، وبعد الاكتساب منه أتصدق بالمال الذي أخذته؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاكتسابك للمال بطريق غير مشروعة لا يجوز، والمسلم مطالب بتحري الحلال فيما يكسب؛ لأنه سيسأل عن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟

فعن أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن عمره؛ فيما أفناه، وعن علمه؛ فيم فعل، وعن ماله؛ من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وعن جسمه؛ فيم أبلاه. رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وعليه؛ فاستغفر الله مما وقعت فيه، واندم عليه، واعزم على ألا تعود إليه.

وأما الأغراض التي استهلكت فيها ذلك المال، أو بعضه؛ فلا يحرم عليك الانتفاع بها، ولا يلزمك التخلص منها؛ لأن الحرمة تتعلق بذمتك، لا بعين ما استهلك فيه ذلك.

ولكن هل يلزمك التخلص من قدر الحرام الذي اكتسبت؛ سواء كنت استهلكته، أم ما يزال عندك؟

في ذلك تفصيل لدى بعض أهل العلم، وهو أنك إن كنت أقدمت على تلك المعاملات غير المشروعة، جهلا منك بحرمتها، فلك الانتفاع بما اكتسبت منها؛ لقوله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {البقرة: 275}.

وأما لو كنت عالما بحرمة تلك المعاملات حين إقدامك عليها؛ فهنا يلزمك التخلص من قدر الحرام بدفعه للفقراء، والمساكين، أو في المصالح العامة للمسلمين، وليس لك الانتفاع به في خاصة نفسك، إلا أن تكون فقيرا محتاجا.

قال النووي نقلا عن الغزالي: وله أن يتصدق به أي بالمال الحرام على نفسه وعياله، إذا كان فقيرا، لأن عياله إذا كانوا فقراء، فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله أن يأخذ قدر حاجته؛ لأنه أيضا فقير. انتهى.

وهل لحائز المال الحرام أن يفتح منه مشروعا، يتكسب منه، أو يشتري منه آلة يعمل بها -إن كان صاحب حرفة-؟

انظر تفصيل ذلك وغيره في الفتاوى: 416038، 165097، 18727.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني