السؤال
هل تجب طاعة الوالدين في المسائل الخلافية التي لا يترجح عند الابن شيء منها، لكن العلماء الذين يثق بهم أكثر يفتون بخلاف ما يأمر به الوالدان،
مثلًا: النظر إلى وجوه المحجبات، فإذا كان الأب مثلًا يغضب إذا لم ينظر ابنه إلى وجوه المحجبات، لكن العلماء الأكثر ثقة عند الابن يفتون بوجوب النقاب، وأن وجه المرأة عورة. فهل يطيع الوالد في هذه الحالة، أم لا يجوز؛ لأن عليه أن يتبع العلماء الثقات، ولا تعد هذه المسألة من المتشابهات؟
وهكذا الحال في الكثير من المسائل الخلافية، كلعب الشطرنج، والإسبال لغير خيلاء، وعدم الصلاة جماعة.
قرأت فتاوى في الموقع حول طاعة العلماء في المسائل المشتبهة، لكن لم أجد شيئا من المسائل حول الذي لا يترجح شيء عنده، لكنه يقلد علماء ثقات، يفتون بخلاف ما يأمر به الوالدان، فبعض هذه المسائل أصادفها فعلًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر أهل العلم أن على العامي أن يستفتي من يثق به من العلماء فيما يحتاج إلى معرفة حكمه الشرعي، وأن عليه العمل بفتواه.
قال القرطبي في تفسيره: فرض العامي الذي لا يشتغل باستنباط الأحكام من أصولها؛ لعدم أهليته فيما لا يعلمه من أمر دينه، ويحتاج إليه أن يقصد أعلم من في زمانه، وبلده، فيسأله عن نازلته، فيمتثل فيها فتواه، لقوله تعالى: "فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وعليه الاجتهاد في أعلم أهل وقته بالبحث عنه، حتى يقع عليه الاتفاق من الأكثر من الناس. انتهى.
فإن اعتقد الولد حرمة شيء، أو وجوبه بناء على تقليده من يثق به من العلماء، فلا يجوز له طاعة والديه، والعمل بما يخالف اعتقاده، وليس من حق الوالدين إلزام الولد بما قد يترتب عليه ترك الواجب، أو فعل المحرم لغير مسوغ شرعي، لا سيما وأن مثل هذه المسائل المذكورة بالسؤال قد لا تكون هنالك مصلحة للوالد فيها، بل قد تكون محض ضرر على الولد، ولا طاعة في مثل هذا.
قال ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية الكبرى: لا يلزم الولد امتثال أمر والده بالتزام مذهبه؛ لأن ذاك حيث لا غرض فيه صحيح، مجرد حمق، ومع ذلك كله، فليحترز الولد من مخالفة والده، فلا يقدم عليها اغترارا بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحري التام في ذلك، والرجوع لمن يثق بدينهم، وكمال عقلهم، فإن رأوا للوالد عذرا صحيحا في الأمر، أو النهي وجبت عليه طاعته، وإن لم يروا له عذرا صحيحا لم يلزمه طاعته، لكنها تتأكد عليه، حيث لم يترتب عليها نقص دين الولد، وعلمه، أو تعلمه. والحاصل أن مخالفة الوالد خطيرة جدا، فلا يقدم عليها إلا بعد إيضاح السبب المجوز لها عند ذوي الكمال... .انتهى.
ولمزيد الفائدة نرجو مراجعة الفتوى: 196633.
وننبه إلى أنه ينبغي للولد أن يداري والده، ويعتذر له بلطف، وأدب، ويمكنه أن يستعين على والده ببعض الأخيار، والفضلاء من الناس؛ ليعينوه في سبيل إقناع ولده، ليكسب رضاه، ويتقي غضبه.
وننبه -أيضا- إلى أن الفطرة السليمة تقتضي أن يحرص الوالد على أن يسلك ولده مسلك الاستقامة، والصلاح، ومن دعاء المؤمنين في القرآن ما جاء في قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا. {الفرقان: 74}.
نقل ابن كثير عن الحسن البصري أنه سئل عن هذه الآية، فقال: أن يُريَ الله العبد المسلم من زوجته، ومن أخيه، ومن حميمه طاعة الله. لا والله ما شيء أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا، أو ولد ولد، أو أخا، أو حميما مطيعا لله عز وجل. اهـ
والله أعلم.